وهذه الأمم الكثيرة التي لا تُحصى، سواء كانت في البر أو البحر أو الجو، كلها في كتاب الله وعلمه وتقديره وتدبيره، كلها في اللوح المحفوظ، الذي حوى أجناس تلك الأمم وأفرادها وحركاتها وأعمارها وأرزاقها. ولم يهمل هذا اللوح -أو الكتاب- شيئاً من ذلك، وما فرط الله فيه شيئاً من ذلك.
وإن هذه الأمم التي لا تُحصى سوف يحشرها الله إليه. وتخيل يوم الحشر، حيث حُشرت فيه كل هذه الأمم، من الإنس والجنّ والطير والدّواب والحيوانات والحشرات، وتمَّ الحساب أمام هذه الخلائق المجموعة.
ولا يمكن أن يُراد بالكتاب في الآية القرآن، إذ يستحيل أن تكون كل هذه الأمم -التي لا تُحصى- موجودة في القرآن، بأجناسها وأسمائها وأفرادها وأعمارها وحركاتها وأرزاقها.
الثاني: وردت آية أخرى تتحدث عن نفس الموضوع، وكان المراد بكلمة " كتاب " فيها علم الله باتفاق العلماء. وهي قول الله تعالى:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}.
فرزق كل الدّواب ومكان استقرارها ونومها وحركتها: في كتابٍ مبين وهو علم الله الشامل.
ونحن عندما نريد أن نتدبَّر القرآن، ونفهم آياته، ملزمون بتفسير القرآن بالقرآن، بمعنى أن نجمع الآيات ذات الموضوع الواحد، وننظر فيها معاً، ونستخرج دلالاتها مجتمعة.
فهاتان آيتان تتحدثان عن الأمم والدّواب والمخلوقات، وأنها كلها في كتابٍ مبين. والكتاب في آية سورة هود هو علم الله الأزلي باتفاق العلماء.