أوامرهم المخالفة لتعاليم الإسلام، كأن يكون فيها منع أداء حق، أو أمر بمعصية ومنكر، أو إيذاء لآخرين وأكل لحقوقهم.
إنهم يعتبرون أنفسهم مجرد موظفين عند المسؤولين، وما عليهم إلا التنفيذ والالتزام والسمع والطاعة. إنهم يُلغون شخصياتهم، ويتنازلون عن حريتهم وكرامتهم، ويتحولون إلى مجرد أدوات توجَّه هنا وهناك، بدون إرادة أو اختيار.
والعجيب أنهم يموّهون على أنفسهم وعلى الآخرين، فيعتبرون تصرفاتهم الشائنة التزاماً بهذه الآية، وُيضْفون عليها معنى العبادة والتقرب إلى الله، ويزعمون أنهم يطيعون أولي الأمر الذين أمرت الآية بطاعتهم. إنه لضلالٌ عريضٌ أن نتلاعب مع القرآن، وأن نقوم بتحريف معاني آياته، وإنه لضلال عريض أن نجعل من الذل والضعف والجبن والمسكنة عبادةً لله، وأن نجعل من التنازل عن الحرية والإرادة والشخصية تقرباً إلى الله سبحانه، وأن نجعل من آيات القرآن حجةً لهذا ودليلاً عليه. ولا يجوز أن ننسى كلاماً رائعاً عظيماً للإمام الشافعي - رضي الله عنه - حيث يقول:
الآية -موضوع البحث- ليست دليلاً على وجوب طاعة أولي الأمر إذا كانوا ظالمين، وإذا أمروا بما يتعارض مع دين الله، ولكنها دليلٌ على عدم طاعتهم في هذه الحالة، وحرمة هذه الطاعة، وتعرُّض فاعلها لغضب الله وعذابه.
إن طاعة أولي الأمر -التي أمرت بها الآية- طاعةٌ مبصرةٌ واعيةٌ رشيدة، وليست طاعةً عمياء، تتم بغفلة وسذاجة. وهي طاعةٌ مقيدةٌ بالتزام أولي الأمر بمنهج الله، وليست مطلقةً تجب لهم مهما كان وضعهم.