للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالمسجد الجامع المروءة والمج ... د عفا فالصمان فالرحب

منازل قد عمرتها زمناً ... حتى بدا في عذارى الشهب

في فتية كالسيوف هزهم ... شرخ شباب وزانهم أدب

ثم أراب الزمان فاقتسموا ... أيدي سبا في البلاد فانشعبوا

لن يخلف الدهر مثلهم أبداً ... علي، هيهات شأنهم عجب!

وقال البحتري:

فيء إليك، فقد تخون أسرتي ... حتف الردى وتحامل النكبات

تلك المنازل ما تمتع واقفاً ... بزهى الشخوص، ولا وغى الأصوات

ولن تخلف الأيام لي بدلاً بهم ... أيهات من بدل بهم أيهات

ومعيري بالدهر يعلم في غد ... أن الحصاد وراء كل نبات

وقال كاسب بن غياث أحد بني حن:

هل منزل دارس يبين ... سؤال من ما له معين؟!

أقوى وأودت به الليالي ... وصرف دهر له فنون

فما بربعيه من أنيس ... كأن من فيه لم يكونوا

صاح بمن حله زمان ... واخترمتهم به المنون

فكل عهد لهم محيل ... وكل ربع لهم دفين

سوى الذي حل في فؤادي ... من حبهم فهو لا يبين

وكل حي إلى افتراق ... تشعبهم نية شطون

وقال آخر:

دعني وتسكاب دمعي في منازلهم ... فللشؤون ولي من بعدهم شان

أحبابنا ما الديار اليوم بعدكم ... تلك الديار ولا الأوطان أوطان!

وقال القاضي أبو المجد محمد بن عبد الله بن سليمان رحمه الله:

يا معشر الأحباب قد ... أضحت منازلهم قبورا

كنت الصغير فليتني ... لم أدع بعدهم كبيرا

عن زنام الزامر قال: لما اشتد بالمعتصم المرض - في مرضه الذي مات فيه - أفاق في بعض الأيام، فقال: هيئوا لي الزلال؛ لأركب فيه في دجلة غداً، فعملوه، فركب وركبت معه، فمر في دجلة بإزاء منازله، فقال: يا زنام ازمرلي:

يا منزلاً لم تبل أطلاله ... حاشا لأطلالك أن تبلى

لم أبك أطلالك، لكنني ... بكيت عيشي فيك إذ ولى

والعيش أولى ما بكاه الفتى ... لا بد للمخزون أن يسلى

قد كان لي فيك هوى مرة ... غيره الدهر وما ملا

فما زال ينتحب حتى عاد على منزله.

مات المعتصم رحمه الله لثماني عشرة بقيت من ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائتين.

وحدثني من أثق به، أنه لما وقع بمصر الغلاء العظيم في أيام المستنصر بالله، واستولت كتامة والجند على الدولة، واستنفدوا ما في الخزائن من الأموال، وتضعضعت الدولة، أمر المستنصر بإحضار ابن الجوهري الواعظ، فحضر، ونصب له كرسي، فلما صعد على الكرسي تلفت يميناً وشمالاً على نواحي القصر، ثم أنشد:

يا منزلاً لم تبل أطلاله ... حاشا لأطلالك أن تبلى

الأبيات، فارتفع البكاء والضجيج في القصر، وما زاد على ذلك، يستعاد منه ويكرره حتى انقضى المجلس.

وقال آخر:

أحب منازل الأحبا ... ب إن غابوا وإن حضروا

وأسقيها دموع العي ... ن إن لم يسقها المطر

بقدر كرامة الأحبا ... ب يكرم بعدها الأثر

ولولا راحة الشكوى=لكان القلب ينفطر وقال آخر:

أيا منزلاً بالدير أصبح خالياً ... تلاعب فيه شمال ودبور

كأنك لم تسكنك بيض نواعم ... ولم تتبختر في فنائك حور

وأبناء أملاك كرام وسادة ... صغيرهم بين الأنام كبير

إذا لبسوا أدراعهم فضراغم ... وإن لبسوا تيجانهم فبدور

وقال الحارث بن شداد، أخو بني كعب بن عمرو:

إلى الله أشكو ما أرى من عشيرتي ... وما كنت فيما قد مضى استزيدها

تذكرنيهم وحدتي، ومنازل ... سواء علينا رثها وجديدها

أرى الناس راعوا للديار وللحيا ... وكعب بن عمرو لا يريع شريدها

أنشدني الخطيب العالم قدوة الشريعة "أبو زكريا يحيى بن سلامة الحصكفي - حرمه الله - عند اجتماعي به بميافارقين في سنة سبع وعشرين وخمسمائة لبعض أهل المعرة، وقد اجتاز بقرية من أعمال المعرة يقال لها: "سياث" وفيها علوج من الإفرنج يهدمون من جدرانها الحجارة، ويكسرونها بالمعاول؛ ليخف عليهم حملها، فوقف كالمتأسف، وقال:

مررت بربع من سياث فهاجني ... بها زجل الأحجار تحت المعاول

تصدى لها عبل الذراع، كأنما ... جنى الدهر فيما بينهم حرب وائل

<<  <   >  >>