للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقال له القاضي أو كلما قالت جارية شيئاً تصدق قولها فقال الرشيد ما فوق الخلافة مرتبة فانظر ما أحسن عفة الجارية وامتناع هرون الرشيد مع شدة شغفه بها ودخل عليه منصور بن عمار فاستدناه حتى ألصق ركبتيه بركبتيه فقال له منصور يا أمير المؤمنين تواضعك في شرفك أحب إلينا من شرفك فقال عظني فقال من عف في جماله وواسى من ماله وعدل في سلطانه كتبه الله من الأبرار فبكى الرشيد وقال زدني فقال لو طلبت شربة ماء فلم تجدها إلا بنصف الدنيا أكنت تشتريها به قال نعم قال فلو تعسرت عليك بعد شربها أكنت تشتري خروجها بالنصف الآخر قال نعم قال قبح الله دنيا تشترى بشربة ماء وبولة. وحكى عن السلطان ملك شاه السلجوقي أنه حضر بين يديه مغنية فأعجب بها واستطاب غناءها فهم بها فقالت يا سلطان العالم إني أغار على هذا الوجه المليح الجميل أن يعذب بالنار وإن الحلال أيسر وبينه وبين الحرام كلمة فقال صدقت واستدعى القاضي وتزوجها وأقامت في عصمته حتى مات رحمه الله. وحكى سهيل أكبر خدم السلطان نور الدين الشهيد أن السلطان المذكور اشترى مملوكاً بخمسمائة دينار وخلعة وبغلة وكان جميل الصورة وسلمه إلي وكنت قد ربيت السلطان فقلت في نفسي إنا لله وإنا إليه راجعون هذا ما اشتري مملوكاً قط بخمسين ديناراً فلم أشتري هذا بخمسمائة دينار ثم تركني أياماً وقال أحضره مع المماليك يقف في الخدمة كل يوم فلما كان بعد أيام قال أحضره بعد العشاء إلى الخيمة ونم أنت وأياه على باب البرج فقلت في نفسي هذا الشيخ في زمان شبابه ما ارتكب كبيرة ولما كبر سنه يقع فيها والله لا قتلته قبل أن يقع في المعصية فأخذت كتارة فأصلحتها وجئت بالمملوك وأنا في قلق فسهرت عامة الليل ونور الدين في أعلى البرج ثم غلبتني عيني فنمت ثم استيقظت فوقعت يدي على وجه الغلام فإذا به مثل الجمرة وعليه حما شديدة فرجعت به إلى خيمتي وأحضرت الطبيب فمات وقت الظهر فغسلته وكفنته ودفنته فدعاني نور الدين في اليوم الثاني وقال يا سهيل إن بعض الظن أثم فاستحيت فقال قد عرفت حالي وأنت ربيتني هل عثرت لي على زلة قلت حاشا لله قال فلم حملت الكتارة وحدثتك نفسك بالسوء ما أنا معصوم لما رأيت المملوك وقع في قلبي منه مثل النار فقلت أشتريه لعله يذهب عني ما أنا فيه فلم يذهب فقالت لي نفسي أريد كل يوم أن أراه فأمرتك بإحضاره فقالت أريد أن تحضره إلى البرج بالليل فأمرتك بإحضاره فلما حضر ما تركتني النفس أنام وبقينا في حرب إلى السحر فهممت أن أصعده إلى عندي فتداركني الله برحمته فكشفت رأسي وقلت إلهي عبدك محمود المجاهد في سبيلك الذاب عن دين نبيك صلى الله عليه وسلم الذي عمر المساجد والمدارس والربط يختم أعماله بمثل هذا فسمعت هاتفاً يقول قد كفيناك يا محمود فعلمت أنه قد حدث به حدث وأما أنت فجزاك الله عني خيراً والله أن أقتل عندي أهون من المعصية ثم أحسن إلي. وحكى عن فاطمة بنت الخثعمي أنها دعت عبد الله بن عبد المطلب والد النبي صلى الله عليه وسلم نفسها للنور الذي رأته بين عينيه فأبى وقال:

أما الحرام فالممات دونه ... والحل لا حل فأستبينه

فكيف بالأمر الذي تبغينه ... يحمي الكريم عرضه ودينه

قلت قصة عبد الله مع فاطمة هذه مثل قولهم في المثل واحد يشتهي التين وآخر يقطفه فحاله معها كحال توبة مع ليلى الأخيلية وهو ما حكى أنه راودها عن نفسها فنفرت منه وأنشدت:

وذي حاجة قلنا له لا تبح بها ... فليس إليها ما حييت سبيل

لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه ... وأنت لأخرى صاحب وخليل

فكانت كما قيل:

جننا بليلى وهي جنت بغيرنا ... وأخرى بنا مجنونة ما نريدها

ومثل قول الآخر:

علقتها عرضاً وعلقت رجلاً ... غيري وعلق أخرى غيرها الرجل

<<  <   >  >>