فَقَالَ أبي بن كَعْب: فوَاللَّه لَا يقوم مَعَك إِلَّا أَصْغَر الْقَوْم، فَكنت أَصْغَر فَقُمْت مَعَه، فَقَالَ عمر: خَفِي عَليّ هَذَا من أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ألهاني عَنهُ الصفق بالأسواق.
المذعور: الْخَائِف.
وَهَذَا الحَدِيث يدل على أَن السّنة الإستئذان ثَلَاث مَرَّات، وَلَا يُزَاد على ذَلِك، لِأَنَّهُ رُبمَا لَا يسمع صَاحب الْمنزل فِي الْمرة الأولى وَلَا فِي الثَّانِيَة، فَإِذا لم يجب فِي الثَّالِثَة فالغالب أَنه قد سمع وَلَكِن لَهُ عذره.
فَإِن قيل: إِذا كَانَ عمر يخَاف من مثل أبي مُوسَى، فبمن يوثق؟ فَالْجَوَاب أَنه مَا اتهمه، وَإِنَّمَا خَافَ أَن ينْطَلق فِي التحديث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لَيْسَ من أَهله، فتوعد الثِّقَة ليحذر غَيره. وَقد قَالَ لَهُ أبي بن كَعْب: يَا ابْن الْخطاب، أَنا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول ذَلِك، فَلَا تكونن عذَابا على أَصْحَاب رَسُول الله. فَقَالَ: سُبْحَانَ الله! إِنَّمَا سَمِعت شَيْئا فَأَحْبَبْت أَن أتثبت.
وَأما الصفق فِي الْأَسْوَاق فيريد بِهِ عقد الصفقات، وَكَانُوا يضْربُونَ بِالْيَدِ على الْيَد عِنْد العقد عَلامَة لتَمام البيع، وَالْمعْنَى فِي ذَلِك: أَنه لما كَانَت الْأَمْلَاك مُضَافَة إِلَى الْأَيْدِي جعلُوا ضرب يَد البَائِع على يَد المُشْتَرِي أَمارَة ناقلة، كَأَنَّهُ يَقُول: قد نقلت مَا فِي يَدي إِلَى مَا فِي يدك، ثمَّ استمرت التَّسْمِيَة بالصفقة وَإِن لم يَقع صفق.
١٤٥٣ - / ١٧٦١ - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْعِشْرين: خطب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ((إِن الله عز وَجل خير عبدا بَين الدُّنْيَا وَبَين مَا عِنْده، فَاخْتَارَ