الشَّام، واستخلف على الْأَذَان سعد الْقرظ وَقَالَ بعض الْجُهَّال بِالنَّقْلِ والأثر: إِنَّمَا كَانَ الْآمِر لِبلَال بعض أُمَرَاء بني أُميَّة، وَهَذَا بَاطِل من سِتَّة أوجه: أَحدهَا: أَنه إِذا قَالَ الرَّاوِي: أَمر فلَان، أَو أمرنَا فقد صرح بِذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ لَا أَمر لغيره فِي زَمَانه، وَصَارَ كَمَا يُقَال: تقدم إِلَى النَّاس بِكَذَا: أَي تقدم من لَهُ التَّقَدُّم، وَنَظِير هَذَا قَوْله تَعَالَى:{أذن للَّذين يُقَاتلُون بِأَنَّهُم ظلمُوا}[الْحَج: ٣٩] .
وَالثَّانِي: أَن هَذَا الحَدِيث يتَضَمَّن شرح ابْتِدَاء الْأَذَان وَالْإِقَامَة، لِأَنَّهُ قَالَ: ذكرُوا أَن ينوروا نَارا، أَو يضْربُوا ناقوسا، فَأمر بِلَال، وَالْأَمر فِي الإبتداء لَا يكون إِلَّا للرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَالثَّالِث: أَن بِلَالًا لم يدْرك خلَافَة بني أُميَّة وَلم يُؤذن لأحد بعده، وَإِنَّمَا أذن بعد وَفَاته قبل أَن يقبر، فانتحب النَّاس وَبكوا عِنْد قَوْله: أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، فَلَمَّا دفن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ أَبُو بكر: أذن، فَقَالَ: إِن كنت أعتقتني لأَكُون مَعَك فسبيل ذَلِك، وَإِن كنت أعتقتني لله فخلني وَمن أعتقتني لَهُ. فَقَالَ: مَا أَعتَقتك إِلَّا لله، قَالَ: فَإِنِّي لَا أؤذن لأحد بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فَذَاك إِلَيْك. فَأَقَامَ بِلَال حَتَّى خرجت بعوث الشَّام، فَسَار مَعَهم حَتَّى انْتهى إِلَيْهَا، فَتوفي بِدِمَشْق سنة عشْرين، كَذَلِك ذكره مُحَمَّد بن سعد. وَقَالَ أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ وَقد قيل: سنة ثَمَانِي عشرَة.
وَالرَّابِع: لَو قَدرنَا أَنه أَمر بذلك فَكيف يظنّ بِهِ أَن يتْرك مَا يُعلمهُ من سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقَوْل مُبْتَدع من بني أُميَّة؟ كَيفَ وَقد ألف ركون