مَا لبث يُوسُف لَأَجَبْت الدَّاعِي)) .
مخرج هَذَا الحَدِيث مخرج التَّوَاضُع وَكسر النَّفس، وَلَيْسَ فِي قَوْله: ((نَحن أَحَق بِالشَّكِّ)) إِثْبَات شكّ لَهُ وَلَا لإِبْرَاهِيم، وَإِنَّمَا يتَضَمَّن نفي الشَّك عَنْهُمَا، لِأَن قوما ظنُّوا فِي قَوْله ( {أَرِنِي كَيفَ تحيي الْمَوْتَى} أَنه شكّ، فنفى ذَلِك عَنهُ، وَإِنَّمَا الْمَعْنى: إِذا لم أَشك أَنا فِي قدرَة الله تَعَالَى على إحْيَاء الْمَوْتَى فإبراهيم أولى أَلا يشك، فَكَأَنَّهُ رَفعه على نَفسه. وَدلّ بِهَذَا على أَن إِبْرَاهِيم مَا سَأَلَ لأجل الشَّك وَلَكِن لزِيَادَة الْيَقِين؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ الْمُشَاهدَة الَّتِي لَا يبْقى مَعهَا وسواس. وَقد ذكر ابْن الْأَنْبَارِي وَجها آخر فَقَالَ: لما أنكر قوم الْخَلِيل إحْيَاء الْمَوْتَى سَأَلَ ربه أَن يرِيه مَا أَيقَن بِهِ عقله من قدرَة ربه على إحْيَاء الْمَوْتَى، وَأَرَادَ أَن يعلم مَنْزِلَته عِنْد ربه بإجابة دَعوته، وَشك: هَل تقع الْإِجَابَة أم لَا؛ لِأَنَّهُ قد يكون من الْمصلحَة أَلا يُجَاب الْمُؤمن إِلَى مَا يسْأَل، فَلَمَّا شكّ إِبْرَاهِيم على هَذَا التَّأْوِيل الْحسن لَا على الْمَعْنى المذموم - قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((أَنا أولى بِالشَّكِّ من إِبْرَاهِيم)) أَي أَنا أولى أَن أسأَل مثل هَذَا الْأَمر الْعَظِيم الَّذِي يشك السَّائِل فِي إِجَابَة ربه فِيهِ، وَإِنَّمَا صَار أَحَق لما عانى من تَكْذِيب قومه لَهُ، وردهم عَلَيْهِ، وتعجبهم من ذكر الْبَعْث، فَقَالَ: أَنا أَحَق أَن أسأَل مَا سَأَلَ إِبْرَاهِيم لعَظيم مَا جرى عَليّ من قومِي، ولمعرفتي بتفضيل الله عز وَجل إيَّايَ على الْأَنْبِيَاء، وَلَكِنِّي لَا أسأَل.
فَأَما قصَّة لوط فَإِن لوطا لم يغْفل عَن الله عز وَجل، وَلم يتْرك
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute