الْأَحْكَام الَّتِي نطيت بِسَبَب، ثمَّ زَالَ السَّبَب وَبَقِي الحكم، كالرمل.
وَالثَّانِي: أَن الْآيَة إِنَّمَا نزلت على غَالب أسفار رَسُول الله، وأكثرها لم يخل من الْخَوْف، وَنَحْو هَذَا قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تكْرهُوا فَتَيَاتكُم على الْبغاء إِن أردن تَحَصُّنًا} [النُّور: ٣٣] فَخرج النَّهْي على صفة السَّبَب وَإِن لم يكن شرطا فِيهِ، لِأَنَّهُنَّ كن يردن التحصن.
وَالثَّالِث: أَن تحمل على معنى " إِن " كَقَوْلِه تَعَالَى: {وذروا مَا بَقِي من الرِّبَا إِن كُنْتُم مُؤمنين} [الْبَقَرَة: ٢٧٨] وَقَوله: {وَأَنْتُم الأعلون إِن كُنْتُم مُؤمنين} [آل عمرَان: ١٣٩] وَاعْلَم أَن الْمُسَافِر مُخَيّر بَين الْإِتْمَام وَالْقصر، وَهَذَا مَذْهَب أَحْمد وَالشَّافِعِيّ، وَعَن أبي حنيفَة يتَعَيَّن عَلَيْهِ الْقصر وَلَا يجوز لَهُ الْإِتْمَام، وَعَن أَصْحَاب مَالك كالمذهبين.
ومستند هَذَا الْخلاف أَن الْقصر رخصَة عندنَا وَعند الشَّافِعِي، إِلَّا أَنه مَعَ كَونه رخصَة فَهُوَ عندنَا أفضل من الْإِتْمَام، وَهَذَا أحد قولي الشَّافِعِي. وَعند أبي حنيفَة أَنه عَزِيمَة. وَيدل على قَوْلنَا قَوْله تَعَالَى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح} والجناح إِنَّمَا يرفع فِي الْمُبَاح لَا فِي الْوَاجِب. ثمَّ لَو كَانَ الأَصْل رَكْعَتَيْنِ لم يكن لقَوْله: " صَدَقَة تصدق الله بهَا عَلَيْكُم " وَجه.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي مُدَّة السّفر الَّتِي يجوز فِيهِ الْقصر، فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: أَقَله سِتَّة عشر فرسخا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه: أَقَله مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام سير الْإِبِل. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: مرحلة يَوْم. وَقَالَ دَاوُد: يجوز الْقصر فِي السّفر الطَّوِيل والقصير.
فَأَما مُدَّة الْإِقَامَة الَّتِي إِذا نَوَاهَا بِبَلَدِهِ أتم الصَّلَاة، وَإِن نوى أقل مِنْهَا قصر: فَقَالَ أَصْحَابنَا: إِقَامَة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين صَلَاة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute