وَقد مضى خلق كثير من الزهاد وَقلت علومهم، فحملوا على النُّفُوس فَوق الطَّاقَة من التَّعَبُّد وهجر مَا يصلح النَّفس ويقيمها، ظنا مِنْهُم بِأَن المُرَاد من العَبْد ذَلِك، وَمَا أخوفني عَلَيْهِم من الْعقُوبَة بِمَا طلبُوا بِهِ المثوبة، فكم فيهم من سالك طَرِيق الرهبنة وَعِنْده أَنه على الشَّرْع، وَكم فيهم من تزوج وَترك الزَّوْجَة لَا أَيّمَا وَلَا ذَات بعل، وَكم فيهم من تبتل بترك النِّكَاح أصلا وَهَذِه رهبنة، وَكم فيهم من منع نَفسه مَا يصلحها حَتَّى خرج الْأَمر بِهِ إِلَى الْأَمْرَاض الشَّدِيدَة، وَإِنَّمَا الْبدن كالناقة، وَالنَّفس كالراكب، وَمَتى لم يرفق الرَّاكِب بالناقة لم تبلغه، فَعَلَيْك بِمَا كَانَ عَلَيْهِ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا تقتد بمعظم فِي النُّفُوس مَذْكُور بالزهد إِذا كَانَ على خلاف السّنة.