الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا أَرَادوا الصَّدْر عَن منى قَامَ رجل من بني كنَانَة يُقَال لَهُ نعيم بن ثَعْلَبَة. وَكَانَ رَئِيس الْمَوْسِم، يَقُول: أَنا الَّذِي لَا أعاب وَلَا أخاب وَلَا يرد لي قَضَاء، فَيَقُولُونَ: أنسئنا شهرا، يُرِيدُونَ: أخر عَنَّا حُرْمَة الْمحرم وَاجْعَلْهَا فِي صفر، فيفعل ذَلِك. وَقَالَ مُجَاهِد: أول من أظهر النسيء جُنَادَة بن عَوْف الْكِنَانِي، فَوَافَقت حجَّة أبي بكر ذَا الْقعدَة، ثمَّ حج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْعَام الْقَابِل فِي ذِي الْحجَّة، فَذَلِك حِين قَالَ: " إِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كَهَيئَةِ ". وَقَوله: " اسْتَدَارَ " من الدّور. والهيئة: الْحَالة. وَسمي الشَّهْر شهرا لشهرته. [١٥] وَقَوله:: " مِنْهَا أَرْبَعَة حرم إِنَّمَا سَمَّاهَا حرما لمعنيين: أَحدهمَا: لتَحْرِيم الْقِتَال فِيهَا، وَكَانَت الْعَرَب تعتقد ذَلِك. وَالثَّانِي: لِأَن تَعْظِيم انتهاك الْمَحَارِم فِيهَا أَشد من تَعْظِيمه فِي غَيرهَا. [١٥] قَوْله: " ذُو الْقعدَة " قَالَ ثَعْلَب: إِنَّمَا سموهُ ذَا الْقعدَة لأَنهم كَانُوا يَقْعُدُونَ فِيهِ؛ وسموه ذَا الْحجَّة لأَنهم كَانُوا يحجون فِيهِ. وَأما الْمحرم فلتحريمه، وَأما صفر فلأنهم كَانُوا يطْلبُونَ الْميرَة فِيهِ، يُقَال: صفر السقاء: إِذا لم يكن فِيهِ شَيْء. وربيع لأَنهم يربعون فِيهَا. وجمادى لِأَن المَاء يجمد فيهمَا. وَرَجَب من التَّعْظِيم، يُقَال: رجبه يرجبه: إِذا عظمه. [١٥] أما إِضَافَته إِلَى مُضر فلأنهم كَانُوا يعظمونه أَشد من بَقِيَّة الْعَرَب. [١٥] وَقَوله: " بَين جُمَادَى وَشَعْبَان " يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: التَّأْكِيد كَمَا قَالَ: " ابْن لبون ذكر ". وَالثَّانِي: لمَكَان مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ من النسيء؛ فَإِن الْأَشْهر كَانَت تنْقَلب بالنسيء.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute