٥٣٧ - / ٦٤٨ - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: [١٥] قَالَ عمر: اقرؤنا أبي، وأقضانا عَليّ، وَإِنَّا لندع من قَول أبي؟ وَذَلِكَ أَن أَبَيَا يَقُول: لَا أدع شَيْئا سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد قَالَ الله تَعَالَى: {مَا ننسخ من آيَة أَو ننساها} [الْبَقَرَة: ١٠٦] . [١٥] وَأما قَول: أقرؤنا أبي وأقضانا عَليّ، فَإِنَّهُ قد يغلب على الْإِنْسَان من فنون الْعلم فن يفوق بِهِ، وَقد يرْزق فِي ذَلِك الْفَنّ من التَّصَرُّف مَا لَا يرزقه غَيره وَإِن شَاركهُ فِي الْعلم. [١٥] وَقَوله: وَإِنَّا لندع من قَول أبي. يَعْنِي: من قِرَاءَته، وَقد بَين السَّبَب فِي ذَلِك وَهُوَ أَن الْعَمَل على الْعرض الْأَخير، وَقد كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعرض الْقُرْآن على جِبْرِيل، وَعرضه عَلَيْهِ قبل مَوته مرَّتَيْنِ.
٥٣٨ - / ٦٤٩ - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " لَو أَن لِابْنِ آدم وَاديا من ذهب لأحب أَن يكون لَهُ واديان، وَلنْ يمْلَأ فَاه إِلَّا التُّرَاب "، وَكُنَّا نرى هَذَا من الْقُرْآن حَتَّى نزل قَوْله {أَلْهَاكُم التكاثر} . [١٥] اعْلَم أَن آثر الْأَشْيَاء عِنْد الْإِنْسَان نَفسه، فَأحب الْأَشْيَاء إِلَيْهِ بَقَاؤُهَا، ولشدة حبه الْبَقَاء لَا يَنْقَطِع أمله من الْحَيَاة وَلَو عاين الْمَوْت، فَلَمَّا كَانَ المَال سَببا للحياة أحب سَبَب الْبَقَاء والاستكثار مِنْهُ لحبه الْبَقَاء. وَقَوله: " وَلنْ يمْلَأ فَاه إِلَّا التُّرَاب " الْإِشَارَة بِالْمَعْنَى إِلَى حرصه، وبالصورة إِلَى دَفنه فِي الْقَبْر.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute