الله سُبْحَانَهُ الْعَزِيز الْحَكِيم وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث الصَّحِيح
(إِن الْمَيِّت يعذب ببكاء أَهله عَلَيْهِ) فَلَو وَقعت هَذِه الْأُمُور هَل يعذب الْمَيِّت بِهَذِهِ الْأَفْعَال الْجَاهِلِيَّة ينظر إِن أوصى بذلك كَمَا يَفْعَله بعض أهل الثروة وَبَعض أهل الْبَوَادِي بِأَن يوصيهم بذلك وَيَقُول إِذا مت فنوحوا عَليّ يحزنهم بذلك فَهَذَا يعذب لِأَنَّهُ أوصى بِمَا جَاءَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِتَرْكِهِ وإماتته وَإِن لم يوص بل فعل أَهله ذَلِك لَا بِرِضَاهُ وَلَا بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يعذب إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَالله أعلم قَالَ
(ويعزى أَهله إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام من دَفنه)
التَّعْزِيَة فِي اللُّغَة التسلية عَمَّن يعزى عَلَيْهِ وَعند حمله الشَّرِيعَة الْحمل على الصَّبْر على الْمَيِّت بِذكر مَا وعد الله تَعَالَى من الثَّوَاب والتحذير من الْجزع الْمَذْهَب لِلْأجرِ والمكسب للوزر وَالدُّعَاء للْمَيت بالمغفرة وَلِصَاحِب الْمُصِيبَة بجبر مصيبته وَهِي سنة لما ورد عَن أُسَامَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ
(أرْسلت إِحْدَى بَنَات رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَدعُوهُ وَتُخْبِرهُ أَن ابْنا لَهَا فِي الْمَوْت فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للرسول ارْجع إِلَيْهَا فَأَخْبرهَا أَن لله مَا أَخذ وَله مَا أعْطى وكل شَيْء عِنْده بِأَجل مُسَمّى فَمُرْهَا فَلتَصْبِر ولتحتسب) وَفِي هَذَا الحَدِيث فَائِدَتَانِ جليلتان من استعملهما بِإِيمَان قلبِي فقد ذاق حلاوة الْإِيمَان وَذَلِكَ أَن الشَّخْص إِذا ذاق طعم أَن لله مَا أعْطى وَله مَا أَخذ فَلَا ملك لَهُ فَلَا يشق عَلَيْهِ أَمر مصيبته فَإِن فَاتَهُ ذَلِك وَغلب عَلَيْهِ الْوَازِع الطبيعي دَفعه الْوَازِع الشَّرْعِيّ بِالصبرِ والاحتساب فَإِن فَاتَهُ ذَلِك تعدّدت مصيبته وَهَذَا إِنَّمَا ينشاً من فرَاغ النَّفس عَن الله تَعَالَى بِخِلَاف العامر بِهِ فَإِنَّهُ يرى الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد فتْنَة وبعداً عَن بغيته وَلِهَذَا لما تعجب أَصْحَاب ابْن مَسْعُود من حسن أَوْلَاده قَالَ لَهُم لَعَلَّكُمْ تتعجبون من حسنهم وَالله لفراغ يَدي من تربيتهم أحب إِلَيّ من بقائهم علم أَنهم مَظَنَّة قطعه عَن محبوبه فتآلى على ذَلِك خشيَة الشّغل بهم عَنهُ فيفوته الْمقَام الْأَسْنَى رَضِي الله عَنهُ وَيسْتَحب أَن يعم بالتعزية أهل الْمَيِّت صَغِيرهمْ وَكَبِيرهمْ ذكرهم وأنثاهم نعم لَا يعزي الشَّابَّة إِلَّا محارمها وَالْأولَى أَن تكون قبل الدّفن لِأَنَّهُ وَقت شدَّة الْحزن وَتَكون فِي ثَلَاثَة أَيَّام لِأَن قُوَّة الْحزن لَا تزيد عَلَيْهَا فِي الْغَالِب وَبعد الثَّلَاثَة مَكْرُوه لِأَنَّهَا تجدّد الْحزن وَقد جعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِهَايَة الْحزن ثَلَاثًا فَفِي الصَّحِيحَيْنِ
(لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تحد على ميت فَوق ثَلَاث إِلَّا على زوج أَرْبَعَة أشهر وَعشرا) وَابْتِدَاء الثَّلَاثَة من