للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْخَامِس أَن يعرف كَلَام الْعَرَب لُغَة وإعراباً وكصيغ الْأَمر وَالنَّهْي وَالْخَبَر والاستخبار والوعد والوعيد وَغير ذَلِك مِمَّا لَا بُد مِنْهُ فِي فهم الْكتاب وَالسّنة لِأَن الشَّرْع ورد بِالْعَرَبِيَّةِ وَبهَا يعرف مَا ذَكرْنَاهُ وَيعرف إِطْلَاقه وتقييده وإجماله وَبَيَانه قَالَ الْأَصْحَاب وَلَا يشْتَرط التبحر فِي هَذِه الْعُلُوم بل يَكْفِي معرفَة جمل مِنْهَا قَالَ الْغَزالِيّ واجتماع هَذِه الشُّرُوط مُتَعَذر فِي عصرنا لخلو الْعَصْر عَن الْمُجْتَهد المستقل فَالْوَجْه تَنْفِيذ قَضَاء كل من ولاه سُلْطَان ذُو شَوْكَة وَإِن كَانَ جَاهِلا أَو فَاسِقًا لِئَلَّا تتعطل مصَالح الْمُسلمين قَالَ الرَّافِعِيّ وَهَذَا أحسن قَالَ ابْن الصّلاح وَابْن أبي الدَّم لَا نعلم أحدا ذكر مَا ذكره الْغَزالِيّ وَالَّذِي قطع بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ والمراوزة أَن الْفَاسِق لَا تنفذ أَحْكَامه وَقد ظهر بذلك بطلَان مَا قَالَاه وَالله أعلم قَالَ

(وَأَن يكون سميعا بَصيرًا كَاتبا متيقظاً)

يشْتَرط فِي القَاضِي السّمع وَالْبَصَر فَإِن الْأَصَم لَا يفرق بَين الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار وَالْأَعْمَى لَا يعرف الطَّالِب من الْمَطْلُوب وَقيل تصح ولَايَة الْأَعْمَى لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام اسْتخْلف ابْن أم مَكْتُوم على الْمَدِينَة وَكَانَ أعمى وَالْمذهب الْقطع بِالْمَنْعِ وَالْخَبَر قيل بضعفه وَبِتَقْدِير الصِّحَّة مَحْمُول على ولَايَة الصَّلَاة دون الحكم وَفِي معنى الْأَعْمَى من يرى الأشباح وَلَا يعرف الصُّور وَلَا يشْتَرط أَن يعرف الْكِتَابَة على الْأَصَح لِأَن الْمَعْنى الْمَقْصُود من الحكم يعرف بِدُونِهَا وَيشْتَرط أَن يكون متيقظا فَلَا يَصح قَضَاء مُغفل اخْتَلَّ رَأْيه وَنَظره بِمَرَض أَو كبر وَنَحْوهمَا وَيشْتَرط أَيْضا كَونه ناطقاً متكلماً فَإِن الْأَخْرَس لَا يقدر على انفاذ الْأَحْكَام وَالله أعلم قَالَ

بَاب آدَاب الْقَضَاء

(وَيسْتَحب أَن ينزل القَاضِي فِي وسط الْبَلَد وَيجْلس فِي مَوضِع بارز للنَّاس لَا حَاجِب دونه وَلَا يقْعد للْقَضَاء فِي الْمَسْجِد)

اعْلَم أَن للْقَضَاء آداباً مِنْهَا أَن ينزل فِي وسط الْبَلَد لِأَنَّهُ أقرب إِلَى التَّسْوِيَة وَحُصُول الْعدْل وَهَذَا نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَمِنْهَا أَن يجلس فِي مَوضِع فسيح لِئَلَّا يتَأَذَّى الْحَاضِرُونَ بضيقه وَأَن يكون بارزاً لَيْسَ دونه حجاب ليهتدي إِلَيْهِ المتوطن والغريب ويصل إِلَيْهِ كل أحد وَيسْتَحب أَن يكون خَالِيا من الْحر وَالْبرد وَالْغُبَار وَالدُّخَان فَجَلَسَ فِي الصَّيف حَيْثُ يَلِيق بِهِ وَكَذَا فِي الشتَاء وَكَذَا فِي زمن الرِّيَاح وَمِنْهَا أَن لَا يتَّخذ حاجباً وَلَا بواباً لِأَنَّهُ رُبمَا قدم الْمُتَأَخر وَمنع من لَهُ ظلامة فَلَو اتَّخذهُ كره إِلَّا لحَاجَة قَالَ الْمَاوَرْدِيّ تجب فِيهِ الْعِفَّة وَالْعَدَالَة وَالْأَمَانَة وَينْدب كَونه حسن المنظر جميل الْمخبر عَارِفًا بمقادير النَّاس بَعيدا عَن الْهوى معتدل الْأَخْلَاق بَين الشراسة واللين قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ إِن كثرت الزحمة وَرَأى الْمصلحَة فِي اتِّخَاذه اتِّخَاذه وَإِلَّا فَلَا وَفِي الرَّوْضَة

<<  <   >  >>