بَاب فَرَائض الصَّوْم
(وفرائض الصَّوْم خَمْسَة أَشْيَاء النِّيَّة والإمساك عَن الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع)
لَا يَصح الصَّوْم إِلَّا بِالنِّيَّةِ للخير ومحلها الْقلب وَلَا يشْتَرط النُّطْق بهَا بِلَا خلاف وَتجب النِّيَّة لكل لَيْلَة لِأَن كل يَوْم عبَادَة مُسْتَقلَّة أَلا ترى أَنه لَا يفْسد بَقِيَّة الْأَيَّام بِفساد يَوْم مِنْهُ فَلَو نوى صَوْم الشَّهْر كُله صَحَّ لَهُ الْيَوْم الأول على الْمَذْهَب وَيجب تعْيين النِّيَّة فِي صَوْم الْفَرْض وَكَذَا يجب أَن يَنْوِي لَيْلًا وَلَا يضر النّوم وَالْأكل وَالْجِمَاع بعد النِّيَّة وَلَو نوى مَعَ طُلُوع الْفجْر لَا تصح لَهُ لِأَنَّهُ لم يبيت وأكمل النِّيَّة أَن يَنْوِي صَوْم غَد عَن أَدَاء فرض رَمَضَان هَذِه السّنة لله تَعَالَى
وَاعْلَم أَن نِيَّة الْأَدَاء أَو الْقَضَاء وَنَحْو ذَلِك على الْخلاف الْمَذْكُور فِي الصَّلَاة وَقد مر وَيجب أَن تكون النِّيَّة جازمة فَلَو نوى الْخُرُوج من الصَّوْم لَا يبطل على الصَّحِيح وَاعْلَم أَنه لَا بُد للصَّائِم من الْإِمْسَاك عَن المفطرات وَهُوَ أَنْوَاع مِنْهَا الْأكل وَالشرب وَإِن قل عَن الْعمد وَكَذَا مَا فِي معنى الْأكل وَالضَّابِط أَنه يفْطر بِكُل عين وصلت من الظَّاهِر إِلَى الْبَاطِن فِي منفذ مَفْتُوح عَن قصد مَعَ ذكر الصَّوْم
وَشرط الْبَاطِن أَن يكون جوفاً وَإِن كَانَ لَا يحِيل وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح حَتَّى أَنه لَو قطر فِي أُذُنه شَيْئا أَو أَدخل ميلًا أَو قشة فِيهَا أفطر أَو حَشا فِي ذكره قطناً أفطر على الْأَصَح بِخِلَاف الاكتحال وَإِن وجد طعم الْكحل لِأَن الْعين لَيست بجوف وَلَا منفذ لَهَا إِلَى الْجوف وَكَذَا لَو غرز سكيناً فِي لحم السَّاق لَا يفْطر لِأَنَّهُ لَا يعد جوفاً بِخِلَاف مَا لَو طعن فِي بَطْنه فَإِنَّهُ جَوف وابتلاع الرِّيق لَا يفْطر فَلَو اخْتَلَط بِغَيْرِهِ سَوَاء كَانَ طَاهِرا كمن فتل خيطاً مصبوغاً أَو نجسا كمن دميت لثته وَهِي لحم أَسْنَانه وَتغَير الرِّيق بِالدَّمِ فَإِنَّهُ يفْطر بِلَا خلاف فَلَو ذهب الدَّم وابيض الرِّيق فَالصَّحِيح أَنه يفْطر أَيْضا وينجس فَمه وَلَا يطهره إِلَّا المَاء فيتمضمض وَلَو خرج الرِّيق إِلَى شفته فَرده بِلِسَانِهِ وابتلعه أفطر وَكَذَا لَو فتل خيطاً كَمَا لَو بله بريقه ثمَّ أدخلهُ فَمه وَهُوَ رطب وَحصل من ريق الْخَيط مَعَ رِيقه الَّذِي فِي فَمه فابتلعه فَإِنَّهُ يفْطر بِخِلَاف مَا لَو أخرج لِسَانه وعَلى رَأسه ريق وَلم ينْفَصل وابتلعه فَإِنَّهُ لَا يفْطر على الْأَصَح وَلَو نزلت نخامة مت رَأسه وَصَارَت فَوق الْحُلْقُوم نظر إِن لم يقدر على إخْرَاجهَا ثمَّ نزلت إِلَى الْجوف لم يفْطر وَإِن قدر على إخْرَاجهَا وَتركهَا حَتَّى نزلت بِنَفسِهَا أفطر أَيْضا لتَقْصِيره وَلَو تمضمض واستنشق فَإِن بَالغ أفطر وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا إِذا كَانَ ذَاكِرًا للصَّوْم فَإِن كَانَ نَاسِيا فَلَا وَسبق المَاء عِنْد غسل النَّجَاسَة كالمضمضة
(فرع) أصبح شخص وَلَو ينْو صوما فَتَمَضْمَض وَلم يُبَالغ فَسبق المَاء إِلَى جَوْفه ثمَّ نوى صَوْم تطوع صَحَّ على الْأَصَح قَالَ النَّوَوِيّ وَهِي مَسْأَلَة نفيسة وَقد تطلبتها سِنِين حَتَّى وَجدتهَا وَللَّه
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute