الْجِهَاد فرض على الْكِفَايَة لقَوْله تَعَالَى {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الْآيَة وَغير ذَلِك وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ فرض عين لتعطلت المعايش والمزروعات وَخَربَتْ الْبِلَاد نعم قد يعرض مَا يُوجب ذَلِك على كل أحد كَمَا سَنذكرُهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَإِذا قَامَ بِالْجِهَادِ من فِيهِ كِفَايَة سقط الْفَرْض عَن البَاقِينَ لِأَن هَذَا شَأْن فروض الكفايات ثمَّ الْكِفَايَة تحصل بشيئين
أَحدهمَا شحن الثغور بِجَمَاعَة يكفون من بازائهم من الْعَدو فَإِن ضعفوا وَجب على كل من وَرَاءَهُمْ من الْمُسلمين أَن يمدوهم بِمن يتقوون بِهِ على قتال عدوهم
وَالثَّانِي أَن يدْخل الإِمَام دَار الْكفَّار غازياً بِنَفسِهِ أَو يبْعَث جَيْشًا وَيُؤمر عَلَيْهِم من يصلح لذَلِك فَلَو امْتنع الْكل من الْقيام بذلك حصل الاثم لَكِن هَل يعم الْجَمِيع أم يخْتَص بالذين يدنون إِلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان الْمَذْكُور فِي الْحَاوِي للماوردي وَتَعْلِيق القَاضِي أبي الطّيب أَنه يَأْثَم الْكل وَصحح النَّوَوِيّ أَنه يَأْثَم كل من لَا عذر لَهُ
وَاعْلَم أَنه يسْتَحبّ الاكثار من الْجِهَاد للآيات وَالْأَخْبَار الْوَارِدَة فِي ذَلِك وَأَقل مَا يجب فِي السّنة مرّة لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لم يتْركهُ مُنْذُ أَمر بِهِ فِي كل سنة والاقتداء بِهِ وَاجِب وَلِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ {أَو لَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ} قَالَ مُجَاهِد نزلت فِي الْجِهَاد وَلِأَنَّهُ فرض يتَكَرَّر وَأَقل مَا يجب التكرر فِي كل سنة مرّة كَالصَّوْمِ وَالزَّكَاة فَإِن دعت الْحَاجة إِلَى أَكثر من مرّة فِي السّنة وَجب لِأَنَّهُ فرض كِفَايَة فَيقدر بِقدر الْحَاجة وَالله أعلم قَالَ