للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

يهجر أَخَاهُ فَوق ثَلَاث قَالَ أَصْحَابنَا وَغَيرهم هَذَا فِي الهجران لغير عذر شَرْعِي فَإِن كَانَ عذر بِأَن كَانَ المهجور مَذْمُوم الْحَال لبدعة أَو فسق أَو نَحْوهمَا أَو كَانَ فِيهِ صَلَاح لدين الهاجر أَو المهجور فَلَا يحرم وعَلى هَذَا يحمل مَا ثَبت من هجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَعْب بن مَالك وصاحبيه وَنَهْيه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الصَّحَابَة عَن كَلَامهم وَكَذَا مَا جَاءَ من هجران السّلف بَعضهم بَعْضًا كَذَا ذكره هُنَا وَقَالَ فِي كتاب الْإِيمَان وهجران الْمُسلم حرَام فَوق ثَلَاثَة أَيَّام وَهَذَا إِذا كَانَ الهجر لحظوظ النَّفس وتعقبات أهل الدُّنْيَا فَأَما إِذا كَانَ المهجور مبتدعاً أَو متجاهراً بالظلم أَو الْفسق فَلَا تحرم مهاجرته أبدا وَكَذَا إِذا كَانَ فِي المهاجرة مصلحَة دينية وَالله أعلم

قلت وَأَشد النَّاس فسقاً من الْمُسلمين فُقَهَاء السوء وفقراء الرجس الَّذين يَتَرَدَّدُونَ إِلَى الظلمَة طَمَعا فِي مزابلتهم مَعَ علمهمْ بِمَا هم عَلَيْهِ من شرب الْخُمُور وأنواع الْفُجُور وَأخذ المكوس وقهر النَّاس على مَا تدعوهم إِلَيْهِ أنفسهم الامارة وَسَفك الدِّمَاء وقمع من دعاهم إِلَى مَا نزلت بِهِ الْكتب وَأرْسلت بِهِ الرُّسُل فَلَا يغتر بصنع هَؤُلَاءِ الأراذل من الْفُقَهَاء وَيجب اتِّبَاع مَا جَاءَ بِهِ سيد السَّابِقين واللاحقين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد حرر بعض فُقَهَاء الْعَصْر بحثا فِيمَن يتعاطى شَيْئا يحصل بِهِ اعْتِقَاد حل مَا حرم الله لأجل عدم إِنْكَاره ذَلِك لِأَن بِهِ تُقَام الشَّرِيعَة فَقَالَ من ألْقى مُصحفا فِي القاذورة كفر وَإِن ادّعى الْإِيمَان لِأَن ذَلِك يدل على استهزائه بِالدّينِ فَهَل يكون متعاطي سَبَب اندراس الشَّرِيعَة أولى بالتكفير أم لَا وَجعل هَذَا أولى لِأَن مثل ذَلِك قد يخفى على الْعَوام بِخِلَاف إِلْقَاء الْمُصحف شرفه الله تَعَالَى وَلِأَن السَّبَب الْمُؤَدِّي إِلَى طمس الدّين وإماتة الْحق أدل دَلِيل على خبث الطوية وَإِن قَالَ إِن سَرِيرَته حَسَنَة كَمَا قَالَه عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَهَذَا جلي لَا شكّ فِيهِ وَالله أعلم

أما إِذا تكَرر مِنْهَا الهجران وأصرت عَلَيْهِ فَلهُ الهجران وَالضَّرْب بِلَا خلاف وَهَذِه هِيَ الطَّرِيقَة الصَّحِيحَة الْمُعْتَمدَة فِي الْمَرَاتِب الثَّلَاث وَفِي قَول يجوز الهجران وَالضَّرْب فِي الْمرتبَة الأولى وَهِي عِنْد خوف النُّشُوز وَظَاهر الْآيَة يدل لذَلِك وَهل يجوز الضَّرْب فِي الْمرتبَة الثَّانِيَة وَهِي مَا إِذا ظهر مِنْهَا النُّشُوز وَلم يتَكَرَّر فِيهِ خلاف رجح الرَّافِعِيّ فِي الْمُحَرر الْمَنْع وَصحح النَّوَوِيّ فِي الْمِنْهَاج الْجَوَاز وَاخْتَارَهُ فِي الرَّوْضَة وَقَالَ إِنَّه الْمُوَافق لظَاهِر الْقُرْآن وَحَيْثُ جَازَ لَهُ الضَّرْب فَهُوَ ضرب تَأْدِيب وتعزير وَيَنْبَغِي أَن لَا يكون مدمياً وَلَا مبرحاً وَلَا مهْلكا وَلَا على الْوَجْه فَإِن فعل وَأدّى إِلَى تلف وَجب الْغرم لِأَنَّهُ تبين أَنه إِتْلَاف لَا إصْلَاح ثمَّ الزَّوْج وَإِن جَازَ لَهُ الضَّرْب فَالْأولى لَهُ الْعَفو بِخِلَاف

<<  <   >  >>