الْحَاكِم على الْمِنْبَر فِي جمَاعَة من الْمُسلمين أشهد بِاللَّه إِنَّنِي لمن الصَّادِقين فِيمَا رميت بِهِ زَوْجَتي فُلَانَة من الزِّنَا وَأَن هَذَا الْوَلَد من زنا وَلَيْسَ مني أَربع مَرَّات وَيَقُول فِي الْخَامِسَة بعد أَن يعظه الْحَاكِم وَعلي لعنة الله إِن كنت من الْكَاذِبين)
هَذَا فصل اللّعان وَهُوَ مصدر لَاعن وَهُوَ مُشْتَقّ من اللَّعْن وَهُوَ الإبعاد وَسمي المتلاعنان بذلك لما يعقب اللّعان من الْإِثْم والإبعاد وَلِأَن أَحدهمَا كَاذِب فَيكون ملعوناً وَقيل لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يبعد عَن صَاحبه بتأييد التَّحْرِيم وَهُوَ فِي الشَّرْع عبارَة عَن كَلِمَات مَعْلُومَة جعلت حجَّة للْمُضْطَر إِلَى قذف من لطخ فرَاشه وَألْحق بِهِ الْعَار واختير لفظ اللّعان على الْغَضَب وَالشَّهَادَة لِأَن اللّعان لَفْظَة غَرِيبَة وَالشَّيْء يشْتَهر بالغريب وَقيل لِأَنَّهُ فِي لعان الرجل وَهُوَ مُتَقَدم
وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} الْآيَات وَسبب نُزُولهَا أَن هِلَال بن أُميَّة قذف زَوجته عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشريك بن السمحاء فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبَيِّنَة أَو حد فِي ظهرك فَقَالَ يَا رَسُول الله إِذا رأى أَحَدنَا على امْرَأَته رجلا ينْطَلق يلْتَمس الْبَيِّنَة فَجعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الْبَيِّنَة أَو حد فِي ظهرك فَقَالَ هِلَال وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ إِنِّي لصَادِق ولينزلن الله مَا يُبرئ ظَهْري من الْحَد فَنزلت هَذِه الْآيَات وَقيل غير ذَلِك فَإِذا قذف الرجل زَوجته وَجب عَلَيْهِ الْحَد كَمَا جَاءَ بِهِ النَّص وَله ملخصان عَنهُ إِمَّا الْبَيِّنَة أَو اللّعان كَمَا نَص عَلَيْهِ الْخَبَر ثمَّ مَتى تَيَقّن الزَّوْج أَنَّهَا زنت بِأَن رَآهَا تَزني جَازَ لَهُ قَذفهَا وَكَذَا لَو أقرَّت بِهِ عِنْده وَوَقع فِي قلبه صدقهَا أَو أخبرهُ بِهِ ثِقَة أَو شاع أَن رجلا زنى بهَا وَرَآهُ خَارِجا من عِنْدهَا فِي أَوْقَات الرِّيبَة فَلَو شاع وَلم يره أَو رَآهُ وَلم يشع لم يجز فِي الْأَصَح وَقَالَ الإِمَام لَو رَآهُ مَعهَا تَحت شعارها على هَيْئَة مُنكرَة أَو رَآهَا مَعَه مَرَّات كَثِيرَة فِي مَحل رِيبَة كَانَ كالاستفاضة مَعَ الرُّؤْيَة وَتَبعهُ الْغَزالِيّ وَغَيره وَلَا يجوز الْقَذْف عِنْد عدم مَا ذكرنَا وَهَذَا كُله إِذا لم يكن ولد قَالَ النَّوَوِيّ قَالَ أَصْحَابنَا وإذاا لم يكن ولد فَالْأولى أَن لَا يُلَاعن بل يطلقهَا إِن كرهها وَالله أعلم
وَإِن كَانَ هُنَاكَ ولد يتَيَقَّن أَنه لَيْسَ مِنْهُ وَجب عَلَيْهِ نَفْيه بِاللّعانِ هَكَذَا قطع بِهِ الْجُمْهُور حَتَّى يَنْتَفِي عَنهُ من لَيْسَ مِنْهُ وَفِي وَجه لَا يجب النَّفْي قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيره فَإِن تَيَقّن مَعَ ذَلِك أَنَّهَا زنت قَذفهَا ولاعن وَإِلَّا فَلَا يقذفها لجَوَاز أَن يكون الْوَلَد من زوج قبله أَو من وَطْء شُبْهَة قَالَ الْأَئِمَّة وَإِنَّمَا يحصل الْيَقِين إِذا لم يَطَأهَا أصلا أَو وَطئهَا وَأَتَتْ بِهِ لأكْثر من أَربع سِنِين من وَقت الْوَطْء أَو لأَقل من