للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

(وَعمد الْخَطَأ أَن يقْصد ضربه بِمَا لَا يقتل غَالِبا فَيَمُوت فَلَا قَود عَلَيْهِ بل تجب دِيَة مُغَلّظَة على الْعَاقِلَة مُؤَجّلَة)

قد مر ذكر الْعمد وَالْخَطَأ وَبَقِي شبه الْعمد وَهُوَ أَن يقْصد الْفِعْل والشخص مَعًا بِمَا لَا يقتل غَالِبا كَمَا إِذا ضربه بِسَوْط أَو عَصا ضَرْبَة خَفِيفَة أَو رَمَاه بِحجر صَغِير وَلم يوال بِهِ الضَّرْب وَلم يشْتَد الْأَلَم بِسَبَب ذَلِك وَلم يكن وَقت حر وَلَا برد شديدين أَو لم يكن الْمَضْرُوب ضَعِيفا أَو صَغِيرا فَهُوَ شبه عمد وَإِن كَانَ شَيْء من ذَلِك وَجب الْقصاص لِأَنَّهُ قصد الْفِعْل والشخص بِمَا يقتل غَالِبا وَلَو ضربه الْيَوْم ضَرْبَة وَغدا ضَرْبَة وَهَكَذَا فرق الضربات حَتَّى مَاتَ فَوَجْهَانِ لِأَن الْغَالِب السَّلامَة عِنْد تَفْرِيق الضَّرْب قَالَ المَسْعُودِيّ وَلَو ضربه ضَرْبَة وَقصد أَن لَا يزِيد عَلَيْهَا فشتمه فَضَربهُ ثَانِيَة ثمَّ شَتمه فَضَربهُ ثَالِثَة حَتَّى قَتله فَلَا قصاص لعدم الْمُوَالَاة قَالَ الرَّافِعِيّ وَيَنْبَغِي أَن لَا ينظر إِلَى صُورَة الْمُوَالَاة وَلَا إِلَى قدر مُدَّة التَّفْرِيق بل يعْتَبر أثر الضَّرْبَة السَّابِقَة والألم الْحَاصِل بهَا فَإِن تَيَقّن ثمَّ ضربه أُخْرَى فَهُوَ كَمَا لَو والى وَلَو طبق كَفه ولكمه فَهُوَ كالضرب بالعصا الْخَفِيفَة فيفصل وَقَول الشَّيْخ فَلَا قَود عَلَيْهِ بل تجب دِيَة مُغَلّظَة دَلِيله حَدِيث الْمَرْأَتَيْنِ من هُذَيْل وَقَوله مُغَلّظَة يَعْنِي من وَجه وَقَوله على الْعَاقِلَة مُؤَجّلَة يَعْنِي مُخَفّفَة من وَجْهَيْن لِأَن جِنَايَة الْخَطَأ مُخَفّفَة من ثَلَاثَة وُجُوه كَونهَا على الْعَاقِلَة ومؤجلة ومخمسة وَجِنَايَة الْعمد مُغَلّظَة من ثَلَاثَة أوجه كَونهَا على الجانس حَالَة مُثَلّثَة وَجِنَايَة شبه الْعمد تنْزع إِلَى الْعمد من وَجه كَونهَا فِيهَا قصد الْفِعْل والشخص وتنزع إِلَى الْخَطَأ يكون الْآلَة لَا تقتل غَالِبا فَلهَذَا خففت بِكَوْنِهَا على الْعَاقِلَة وبالتأجيل وغلظت بِكَوْنِهَا مُثَلّثَة وَالله أعلم قَالَ

(وشرائط وجوب الْقصاص أَرْبَعَة أَن يكون الْقَاتِل بَالغا عَاقِلا وَألا يكون والدا للمقتول وَألا يكون الْمَقْتُول أنقص من الْقَاتِل بِكفْر أَو رق)

لما ذكر الشَّيْخ رَحمَه الله الْجِنَايَة ونوعها بِاعْتِبَار مَا يجب فِيهَا الْقصاص وَمَا لَا يجب شرع الْآن فِي ذكر من يجب عَلَيْهِ الْقصاص وَمن لَا يجب وَلَا شكّ أَن الْقصاص هُوَ الْمُمَاثلَة كَمَا قَالَه الْأَزْهَرِي وَهُوَ مَأْخُوذ من اقتصاص الْأَثر وَهُوَ تتبعه لِأَن تتبع الْجِنَايَة فَيَأْخُذ مثلهَا والمثلية تعْتَبر فِي الْجِنَايَة وكما تعْتَبر فِي الْجِنَايَة كَذَلِك تعْتَبر الْمُسَاوَاة بَين الْقَتِيل وَالْقَاتِل وَلَيْسَ المُرَاد الْمُسَاوَاة فِي كل خصْلَة لِأَن بعض الْخِصَال لم يَعْتَبِرهَا الشَّارِع قطعا كنضو الْخلقَة مَعَ كَبِير الضخامة وَنَحْو ذَلِك كالقوة والضعف وَغَيرهمَا ومدار ذَلِك على صِفَات تذكر فَمَتَى فضل الْقَاتِل على الْمَقْتُول بخصلة

<<  <   >  >>