للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قطاع الطَّرِيق سموا بذلك لانْقِطَاع النَّاس من الْمُرُور فِيهِ خوفًا مِنْهُم وعقوبتهم نَص عَلَيْهَا الْقُرْآن الْعَظِيم قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا} الْآيَة فقطاع الطَّرِيق طَائِفَة يترصدون فِي المكامن للرفقة فَإِذا رَأَوْهُمْ برزوا إِلَيْهِم قَاصِدين الْأَمْوَال معتمدين فِي ذَلِك على قُوَّة وقدرة يتغلبون بهَا وَفِيهِمْ شرعت هَذِه الْعُقُوبَات الغليظة وَاعْلَم أَنه لَا يشْتَرط فِي قطاع الطَّرِيق الذُّكُورَة وَلَا الْعدَد وَلَا كَونهم فِي غير الْعمرَان بل لَو كَانَ وَاحِد لَهُ فضل قُوَّة يغلب بهَا الْجَمَاعَة على النَّفس وَالْمَال مجاهرا بذلك فَهُوَ قَاطع طَرِيق فَإِذا علم الامام من رجل أَو من جمَاعَة أَنهم يخيفون السَّبِيل وَجب عَلَيْهِ الْمُبَادرَة إِلَى زجرهم وطلبهم ثمَّ ينظر إِن لم يَأْخُذُوا المَال وَلَا قتلوا نفسا عزرهم بِالْحَبْسِ وَغَيره فَإِن أخذُوا من المَال قدر نِصَاب السّرقَة قطعت أَيْديهم وأرجلهم الْيُسْرَى فَإِن عَادوا قطعت أَيْديهم الْيُسْرَى وأرجلهم الْيُمْنَى وَإِنَّمَا قطعُوا من خلاف لِئَلَّا يفوت جنس الْمَنْفَعَة فَإِن كَانَ المَال دون النّصاب فَلَا قطع على الرَّاجِح وَإِن قتل قَاطع الطَّرِيق قتل وَهُوَ قتل متحتم وَلَا يجوز تخليته وَلَا الْعَفو عَنهُ وَلَيْسَ سَبيله سَبِيل الْقصاص فلعنة الله على الظَّالِمين الَّذين يتربصون ويصدون عَن سَبِيل الله وَإِن جمع قَاطع الطَّرِيق بَين الْقَتْل وَأخذ المَال قتل وصلب وَقيل تقطع يَده وَرجله وَيقتل ويصلب فَإِذا صلب ترك مصلوبا ثَلَاث على الصَّحِيح الْمَنْصُوص فَإِن نزل ودكه نزل وَإِن لم ينزل فَفِيهِ خلاف الرَّاجِح أَنه لَا يبْقى وَقيل يتْرك حَتَّى ينزل صديده وَهُوَ الودك والصلب يكون على خَشَبَة وَنَحْوهَا وَقيل يطْرَح على الأَرْض حَتَّى يسيل صديده وَالله أعلم قَالَ

(وَمن تَابَ مِنْهُم قبل الْقُدْرَة عَلَيْهِ سَقَطت عِنْد الْحُدُود وَأخذ بالحقوق)

قَاطع الطَّرِيق يجب على الامام طلبه فَإِن هرب يتبعهُ إِلَى أَن يظفر بِهِ أَو يَتُوب فَإِن ظفر بِهِ قبل التَّوْبَة أَقَامَ عَلَيْهِ مَا يسْتَوْجب من الْعُقُوبَات الْمَذْكُورَة فَإِن تَابَ بعد الْقُدْرَة عَلَيْهِ لم تسْقط عَنهُ الْعُقُوبَات لمَفْهُوم الْآيَة الْكَرِيمَة هَذَا هُوَ الْمَذْهَب وَإِن تَابَ قبل الْقُدْرَة عَلَيْهِ سقط عَنهُ مَا يخْتَص بِقطع الطَّرِيق من الْعُقُوبَات لقَوْله تَعَالَى {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَب فَإِن كَانَ قد قتل سقط عَنهُ انحتام الْقَتْل وللولي أَن يقْتَصّ وَيَعْفُو وَإِن كَانَ قد قتل وَأخذ المَال سقط الصلب وانحتام الْقَتْل وَبَقِي الْقصاص وَضَمان المَال وَإِن كَانَ قد أَخذ المَال سقط قطع الرجل وَكَذَا قطع الْيَد على الْمَذْهَب وَأخذ المَال وَهُوَ معنى قَول الشَّيْخ سقط عَنهُ الْحُدُود أَي انحتامها لِأَنَّهَا حُقُوق الله تَعَالَى وَبقيت حُقُوق الْآدَمِيّين من الْقصاص وَالْمَال فَإِنَّهَا لَا تسْقط إِن جعلنَا الْألف وَاللَّام فِي كَلَام الشَّيْخ للْعهد وَإِن جعلناها للْجِنْس وَكَانَ على قَاطع الطَّرِيق حُدُود أُخْرَى كَالزِّنَا وَشرب الْخمر فَهَل تسْقط عَنهُ أَيْضا فِيهِ قَولَانِ رجح جمَاعَة من

<<  <   >  >>