أَحدهمَا نذر المجازاة وَهُوَ أَن يلْتَزم قربَة فِي مُقَابلَة حُدُوث نعْمَة أَو اندفاع بلية كَقَوْلِه إِن شفى الله مريضي أَو رَزَقَنِي ولدا وَنَحْو ذَلِك فَللَّه عَليّ اعتاق أَو صَوْم أَو صَلَاة فَإِذا حصل الْمُعَلق عَلَيْهِ لزمَه الْوَفَاء بِمَا الْتزم وَكَذَا لَو قَالَ فعلي وَلم يقل لله على الصَّحِيح وَحجَّة ذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} وَقَوله تَعَالَى {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} وَغير ذَلِك من الْآيَات ونذرت امْرَأَة ركبت الْبَحْر إِن نجاها الله تَعَالَى أَن تَصُوم شهرا فنجت وَلم تصم حَتَّى مَاتَت فَجَاءَت بنتهَا أَو أُخْتهَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمرهَا أَن تَصُوم عَنْهَا الثَّانِي أَن يلْتَزم ابْتِدَاء من غير تَعْلِيق على شَيْء فَيَقُول لله عَليّ أَن أُصَلِّي أَو أَصوم أَو أعتق فَقَوْلَانِ الرَّاجِح اللُّزُوم كالنوع الأول وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَاحْتج لَهُ باطلاق قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نذر أَن يُطِيع الله فليطعه وَالثَّانِي لَا يَصح وَلَا يلْزمه لعدم الْمُقَابل كَمَا أَن البيوعات لما لم يكن لَهَا عوض لم تلْزمهُ بِالْعقدِ وَلِأَن النّذر عِنْد الْعَرَب وعد بِشَرْط قَالَه ثَعْلَب وَقَول الشَّيْخ على الْمُبَاح احْتَرز بِهِ عَن الْمعْصِيَة وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَاعْلَم أَن السَّبَب الَّذِي تعلق بِهِ النّذر أَي الْمَنْذُور قد يكون مُبَاحا كشفاء الْمَرِيض وَقد يكون طَاعَة كَقَوْلِه إِن صليت أَو حججْت فَللَّه عَليّ كَذَا وَمَعْنَاهُ إِن وفقني الله تَعَالَى للصَّلَاة أَو يسر لي الْحَج فعلي كَذَا وَقد يكون مَعْصِيّة كَقَوْلِه إِن حصلت لي الْمعْصِيَة الْفُلَانِيَّة فَللَّه عَليّ كَذَا وتتمة هَذَا تَأتي وَقَول الشَّيْخ وَيلْزمهُ من ذَلِك مَا يَقع عَلَيْهِ الِاسْم أَي من الْمَنْذُور كَمَا إِذا علق بِمُطلق الصَّدَقَة أَو الصَّوْم أَو الاعتاق فَيصح أَن يعْتق رَقَبَة وَإِن كَانَت مُعينَة غير مُؤمنَة على مَا صَححهُ النَّوَوِيّ لصدق اسْم الرَّقَبَة الصَّدَقَة بِالْقَلِيلِ وَقيل لَا بُد من رَقَبَة كَفَّارَة وَالْخلاف مَبْنِيّ على أَن النّذر يسْلك بِهِ مَسْلَك جَائِز الشَّرْع أَو واجبه وَمن فروع هَذِه الْقَاعِدَة أَنه هَل يجب عَلَيْهِ التبييت فِي الصَّوْم الْمَنْذُور أم يَكْفِي بنية قبل الزَّوَال قَالَ الرَّافِعِيّ إِن قُلْنَا أَن النّذر ينزل على أقل الْوَاجِب وَهُوَ الْأَصَح أَوجَبْنَا التبييت وَإِن قُلْنَا على أقل الْجَائِز فَلَا وَوَافَقَ النَّوَوِيّ الرَّافِعِيّ هُنَا على تَصْحِيح وجوب التبييت وَأَن يسْلك بِهِ مَسْلَك وَاجِب الشَّرْع وَخَالف هَذِه الْقَاعِدَة فِي بَاب الرّجْعَة فَقَالَ من زِيَادَته الْمُخْتَار أَنه لَا يُطلق تَرْجِيح وَاحِد من الْوَجْهَيْنِ بل يخْتَلف الرَّاجِح مِنْهُمَا بِحَسب الْمسَائِل لظُهُور دَلِيل أحد الطَّرفَيْنِ فِي بَعْضهَا أَو عَكسه فِي بعض وَقَالَ فِي شرح الْمُهَذّب إِنَّه الصَّوَاب وَالله أعلم قَالَ
(وَلَا نذر فِي مَعْصِيّة كَقَوْلِه إِن قتلت فلَانا فَللَّه عَليّ كَذَا)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute