لذَلِك بقوله تَعَالَى {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ المُرَاد بِالْخَيرِ الِاكْتِسَاب وَالْأَمَانَة فَإِن الْخَيْر ورد بِمَعْنى المَال فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} وَبِمَعْنى الْعَمَل الصَّالح فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} فَحمل هُنَا عَلَيْهِمَا لجَوَاز إرادتهما لتوقف الْمَقْصُود عَلَيْهِمَا لِأَن غير المكتسب عَاجز عَن الْأَدَاء وَغير الْأمين لَا يوثق بوفائه وَفِي قَول تجب الْكِتَابَة لظَاهِر الْآيَة وَالْمَشْهُور الَّذِي قطع بِهِ الجماهير لَا تجب لِأَنَّهَا بيع مَال السَّيِّد بِمَالِه وَهُوَ حرَام لِأَنَّهُ سفه وَلِأَنَّهُ عتق بعوض فَلَا يلْزم السَّيِّد كالاستسعاء فَإِذن الْآيَة مَحْمُولَة على النّدب وَالله أعلم قَالَ
(وَلَا تصح إِلَّا بِمَال مَعْلُوم إِلَى أجل مَعْلُوم وَأقله نجمان)
أما شَرط كَون المَال مَعْلُوما فَلِأَن الْجَهَالَة بِهِ غرر وَيُؤَدِّي إِلَى النزاع وَكِلَاهُمَا مَنْهِيّ عَنهُ وَكَذَلِكَ يشْتَرط الْعلم بِالْمحل كَمَا ذكرنَا وَأما اشْتِرَاط النجمين فَإِنَّهُ لَا يجوز على أقل مِنْهُمَا فَلفظ الْكِتَابَة يَبْنِي على ذَلِك إِذْ لَا ضم إِلَّا بَين اثْنَيْنِ فَصَاعِدا وَاحْتج لَهُ أَيْضا بِفعل الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم كَمَا قَالَه الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْبُوَيْطِيّ وَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ عَنى الْكِتَابَة على نجمين والإيفاء من الثَّانِي وَهَذَا يَقْتَضِي أَن أقل مَا يجوز نجمان لِأَن مَا فَوْقهمَا يجوز للْإِجْمَاع وأصرح من ذَلِك فِي الدّلَالَة قَول عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ لعَبْدِهِ لما غضب عَلَيْهِ لأكاتبنك على نجمين فَلَو جَازَ على ذَلِك فِي الدّلَالَة قَول عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ لعَبْدِهِ لما غضب عَلَيْهِ لأكاتبنك على نجمين فَلَو جَازَ على أقل لفعله لِأَنَّهُ أَزِيد فِي الْعقُوبَة وَلم ينْقل عَن أحد من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم أَنه كَاتب على أقل مِنْهُمَا فَلَو جَازَ لابتدروا إِلَيْهِ تعجيلاً للقربة وَقد رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ الْكِتَابَة على نجمين وَهَذَا نَص عَلَيْهِ إِن صَحَّ وَإِلَّا فَفِي مَا مر كِفَايَة وَالله ولي الْهِدَايَة قَالَ
(وَهِي لَازِمَة من جِهَة السَّيِّد وَمن جِهَة العَبْد جَائِزَة وَله تعجيز نَفسه وفسخها مَتى شَاءَ)
الْعُقُود مِنْهَا مَا هُوَ لَازم من الطَّرفَيْنِ كَالْبيع وَنَحْوه وَمِنْهَا مَا هُوَ جَائِز مِنْهُمَا كالقراض وَنَحْوه وَمِنْهَا مَا هُوَ لَازم من أحد الطَّرفَيْنِ دون الآخر وَمن ذَلِك الْكِتَابَة وَهِي جَائِزَة من جِهَة العَبْد فَلهُ فَسخهَا مَتى شَاءَ لِأَن عقد الْكِتَابَة لَحْظَة فَأشبه الْمُرْتَهن وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَب وَقيل لَيْسَ لَهُ الْفَسْخ إِذْ لَا ضَرَر عَلَيْهِ فِي بَقَائِهَا قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ قَوْلهم لَا ضَرَر عَلَيْهِ مَمْنُوع فَإِنَّهُ قد يتَضَرَّر بِكَوْن النَّفَقَة على نَفسه فيستفيد بِالْفَسْخِ رَفعهَا عَنهُ وَأما من جِهَة السَّيِّد فَهِيَ لَازِمَة فَلَيْسَ لَهُ فَسخهَا لِأَن الْكِتَابَة عقدت
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute