واستقصاء مَا يُمكن تفريعه على هَذِه الْقَاعِدَة من الْمسَائِل تَنْقَطِع الآمال دون الْوُصُول إِلَيْهِ، وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ من التفاريع مستوضح لذِي لب.
(تَنْبِيه)
إِن تَفْسِير لَفْظَة: " وَلَا ضرار " بِالْمَعْنَى السَّابِق الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي صدر الْكَلَام على الْمَادَّة هُوَ بِمَعْنى قَول الْمجلة، فِي الْمَادَّة / ٩٢١ / " لَيْسَ للمظلوم أَن يظلم غَيره " وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ شَامِل للظالم أَيْضا، فَلَيْسَ للمظلوم أَن يَظْلمه أصلا، بل لَهُ أَن يتَخَلَّص من ظلمه وَيَأْخُذ الْحق مِنْهُ وَيسْعَى وَرَاء ردعه عَن الظُّلم بِمَا يَكْفِي رادعاً لأمثاله عَن المعاودة، كَمَا يعلم ذَلِك من مُرَاجعَة أَحْكَام التَّعْزِير، أما مَا زَاد على ذَلِك فَلَا يجوز، قَالَ الله تَعَالَى: {وَلمن انتصر بعد ظلمه فَأُولَئِك مَا عَلَيْهِم من سَبِيل إِنَّمَا السَّبِيل على الَّذين يظْلمُونَ النَّاس ويبغون فِي الأَرْض بِغَيْر الْحق} .
وَلِهَذَا لم يجوز الشَّرْع لأحد الاعتداء على حق أحد وَلَو كَانَ غَاصبا، فَلَو غصب أَرضًا مثلا وزرعها فجَاء رَبهَا، فإمَّا أَن يكون الزَّرْع قد نبت أَو لَا، وَإِذا كَانَ نبت فإمَّا أَن يكون قد استحصد أَو لَا، فَإِن كَانَ نبت واستحصد فَهُوَ للْغَاصِب، وللمالك أَن يرجع بِنُقْصَان أرضه، وَإِن كَانَ نبت وَلم يستحصد فللمالك أَن يَأْمر الْغَاصِب بقلعه وتفريغ ملكه، فَإِن أَبى يقلعه بِنَفسِهِ أَو يرفع الْأَمر للْحَاكِم ليقلعه، وَإِن كَانَ لم ينْبت فالمالك مُخَيّر إِن شَاءَ تَركهَا حَتَّى ينْبت فيأمره بقلعه وَإِن شَاءَ أعطَاهُ مَا زَاد الْبذر فِي الأَرْض فتقوم مبذورة ببذر يجب قلعه إِذا نبت وَتقوم غير مبذورة، فَيعْطى فصل مَا بَينهمَا؛ وَهُوَ الْأَصَح، وَعَن أبي يُوسُف أَنه يُعْطِيهِ مثل بذره؛ وَرجح بعلامة الْمُخْتَار، (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ وحاشيته للرملي، الْفَصْل الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ، صفحة / ١٠٠ - ١٠١) وَالظَّاهِر أَنه فِي صُورَة مَا إِذا كَانَ الزَّرْع لم ينْبت بعد وَاخْتَارَ الْمَالِك تَركهَا إِلَى أَن ينْبت فَإِنَّهَا تتْرك بِأَجْر الْمثل لَا مجَّانا، وَهُوَ دَاخل تَحت قَول صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ، فِي الْمحل الْمَذْكُور برمز " الْوَاقِعَات ": قَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله: لَو غصب أَرضًا وزرعها وَلم تنْبت حَتَّى جَاءَ رَبهَا فَهُوَ مُخَيّر لَو شَاءَ ترك بذره فِيهَا بِأَجْر الْمثل وَلَو شَاءَ ضمن الْبذر للْغَاصِب. انْتهى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute