ذكرنَا سَابِقًا فِيمَا إِذا اسْتَأْجر الدَّابَّة لحمل مخاتيم بر مُعينَة فَزَاد عَلَيْهَا وَكَانَت الدَّابَّة لَا تطِيق حمل الزِّيَادَة أَنه يضمن جَمِيع الْقيمَة، وَلَا يجب عَلَيْهِ الْأجر. وَالْحكم على الْوَجْه الْمَذْكُور مُسلم وموافق للمنقول فِي كتب الْمَذْهَب.
فَفِي الْفَتَاوَى الْخَانِية (من الْإِجَارَة) مَا لَفظه: لَو اسْتَأْجرهَا ليحمل عَلَيْهَا عشرَة مخاتيم حِنْطَة، فَحمل عَلَيْهَا خَمْسَة عشر مَخْتُومًا من الْحِنْطَة وَجَاء بالحمار سليما فَهَلَك قبل أَن يردهُ إِلَى صَاحبه، إِن كَانَ يعلم أَن الْحمار يُطيق ذَلِك كَانَ عَلَيْهِ ثلث الْقيمَة وَكَمَال الْأجر الْمُسَمّى، وَإِن كَانَ لَا يُطيق يضمن جَمِيع الْقيمَة وَلَا يجب الْأجر. انْتهى. وَنَقله أَيْضا عَن الْفَتَاوَى الْخَانِية فِي (السَّابِع وَالْعِشْرين من إجارات) الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة، وَكَذَا نَقله فِي الْفَتَاوَى الأنقروية. وَكَذَا يُسْتَفَاد الحكم الْمَذْكُور من مَبْسُوط السَّرخسِيّ (من بَاب إِجَارَة الدَّوَابّ ج / ١٥ ص / ١٧٢) مَعَ مُرَاجعَة مَا ذكره فِي الْعَارِية (ج / ١١ ص / ١٢٨) من الْمَبْسُوط الْمَذْكُور. وَمَا بعد النَّقْل إِلَّا الرُّجُوع إِلَيْهِ.
وَأما مَا ذكره بعض العصريين فِي مؤلف لَهُ من تضمين الْمُسْتَأْجر كل الْقيمَة وَإِيجَاب كل الْأجر فِي صُورَة عدم إطاقة الدَّابَّة للزِّيَادَة فَلم يُوجد إِلَّا فِي كَلَام صَاحب التَّنْوِير (من بَاب مَا لَا يجوز فِي الْإِجَارَة وَمَا يكون خلافًا فِيهَا) وَعَزاهُ فِي شَرحه منح الْغفار إِلَى غَايَة الْبَيَان للإتقاني، وَتَابعه فِي هَذَا الْعزو صَاحب الدّرّ، وَأفَاد أَن مَأْخَذ التَّنْوِير للْحكم الْمَذْكُور المعزي للغاية هُوَ من الْبَحْر، وتابع صَاحب التَّنْوِير على هَذَا الحكم الْعَلامَة الخادمي فِي حَاشِيَته على الدُّرَر وَعَزاهُ إِلَيْهِ وَسكت عَنهُ محشو الدّرّ أَيْضا كلهم.
وَهُوَ مُشكل {إِذْ فِيهِ إِيجَاب ضَمَان كل الْقيمَة وَإِيجَاب كل الْأجر فِي صُورَة عدم إطاقة الدَّابَّة للْحَمْل وَالزِّيَادَة، وَفِي هَذِه الصُّورَة يكون قد حصل التَّعَدِّي من الِابْتِدَاء وَاعْتبر الْمُسْتَأْجر بتحميلها ذَلِك وَهِي غير مطيقة غَاصبا ضَامِنا من حِين التحميل، فَكيف يجمع عَلَيْهِ الْأجر وَالضَّمان فِي آن وَاحِد والجهة متحدة، وهما لَا يَجْتَمِعَانِ؟} .
وَبعد تتبع مَا عِنْدِي من الْكتب الْفِقْهِيَّة بِالْقدرِ الْمُمكن لم أر لما ذكره