فِي الْهِبَة، وَحقّ الْمُسْتَحق فِي الْوَقْف بعد بَدو الْغلَّة قبل حُصُولهَا فِي يَد الْمُتَوَلِي، فَإِنَّهُمَا لَا يسقطان بالإسقاط. وَلَا يرد حق الغانم فِي الْغَنِيمَة قبل الْقِسْمَة حَيْثُ إِنَّه مثل الرُّجُوع فِي الْهِبَة مُتَعَلق بتملك عين مَعَ أَنه يسْقط بالإسقاط لِأَنَّهُ غير متأكد، فَإِن للْإِمَام أَن يقسمها بَين الْغَانِمين بل يقر أَهلهَا عَلَيْهَا وَيَضَع عَلَيْهِم الْجِزْيَة وعَلى أراضيهم الْخراج.
وَلَا يرد أَيْضا حق الْمُوصى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ، حَيْثُ إِنَّه مثل الْمُسْتَعِير تحدث الْمَنْفَعَة الْمُوصى لَهُ بهَا شَيْئا فَشَيْئًا مَعَ أَنه لَو أسقط حَقه مِنْهَا يسْقط، وَذَلِكَ لِأَن الْوَصِيَّة وَارِدَة على خلاف الْقيَاس، حَتَّى إِن ابْن أبي ليلى قَالَ: إِن الْوَصِيَّة بِالْمَنْفَعَةِ لَا تصح أصلا لِأَنَّهَا تحدث على ملك الْوَرَثَة لَا على ملك الْمُورث فَلَا يَصح تَمْلِيكه لَهَا.
وَلَا يُقَال إِن الْعَارِية وَارِدَة أَيْضا على خلاف الْقيَاس مَعَ أَنَّهَا لَا تسْقط بالإسقاط لِأَن الْفَرْع إِذا ورد على خلاف الْقيَاس لَا يلْزم أَن يكون منطبقاً على غَيره مِمَّا ورد على خلاف الْقيَاس، وَإِلَّا وَجب أَن يتشكل قِيَاس آخر وَلَا قَائِل بِهِ. على أَنه قد يفرق بِأَن المملك فِي الْعَارِية حَيّ تعْتَبر مَعَه حُدُوث الْمَنْفَعَة على ملك الْمُسْتَعِير آناً فآناً، بِمَنْزِلَة عاريات متجددة كَمَا قَالُوا فِي الْمَنْفَعَة الْحَادِثَة على ملك الْمُسْتَأْجر، بِخِلَافِهَا فِي جَانب الْمُوصى لَهُ بعد وَفَاة الْمُوصي.
(تَنْبِيه:)
قد تقدم أَن حق تَحْلِيف الْخصم الْيَمين المتوجهة عَلَيْهِ لَا يسْقط بالإسقاط. وَقد ذكر ذَلِك فِي متن التَّنْوِير، قبيل التَّحَالُف، وَعلله الشَّارِح نقلا عَن الْبَزَّازِيَّة بِأَن التَّحْلِيف للْحَاكِم. وَهَذَا إِذا أسْقطه قصدا، أما لَو صَالح عِنْد أَو افتداه بِمَال صَحَّ وَسقط الْيَمين، لِأَن الْمُدَّعِي أسقط خصومته بِأخذ المَال من الْمُدعى عَلَيْهِ. (ر: الدّرّ وحاشيته، من الْمحل الْمَذْكُور) . وَإِذا سَقَطت الْخُصُومَة سَقَطت الْيَمين ضَرُورَة لِأَنَّهَا فرع توجه الدَّعْوَى.
هَذَا، ولينظر مَا لَو اسقط الْمُدَّعِي حَقه من طلب التَّحْلِيف. وَمُقْتَضى تَعْلِيل الْبَزَّازِيَّة لعدم السُّقُوط هُنَاكَ بقوله:" لِأَن التَّحْلِيف للْحَاكِم " أَن يسْقط هُنَا، لِأَن طلب التَّحْلِيف للْمُدَّعِي.