لَا يَحْنَث بِرَأْس عُصْفُور، وَلَا بركوب إِنْسَان، وَلَا بجلوس على الأَرْض، لِأَن الْعرف خص الرَّأْس بِمَا لَا يُبَاع للْأَكْل فِي الْأَسْوَاق، وَالدَّابَّة بِمَا يركب عَادَة، والبساط بالمنسوج الْمَعْرُوف الَّذِي يفرش وَيجْلس عَلَيْهِ.
وَأما الْعرف الزَّائِد على اللَّفْظ فَلَا عِبْرَة بِهِ، كَمَا لَو قَالَ لأجنبية: إِن دخلت بك فَأَنت كَذَا، فنكحها وَدخل بهَا لَا تطلق وَإِن كَانَ يُرَاد فِي الْعرف من هَذَا اللَّفْظ دُخُوله بهَا، عَن ملك النِّكَاح، لِأَن هَذَا زِيَادَة على اللَّفْظ بِالْعرْفِ، وَالْعرْف لَا يَجْعَل غير الملفوظ ملفوظاً، فقد قَالَ الإِمَام مُحَمَّد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: " بِالْعرْفِ يخص وَلَا يُزَاد ".
لَكِن هَذَا إِذا لم يَجْعَل اللَّفْظ فِي الْعرف مجَازًا عَن معنى آخر، وَلم يهجر الْمَعْنى الْأَصْلِيّ. فَإِن هجرت حَقِيقَته وَاسْتعْمل فِي مَعْنَاهُ الْمجَازِي، كَمَسْأَلَة وضع الْقدَم، فَفِي مثلهَا يعْتَبر الْمَعْنى الْعرفِيّ دون الْحَقِيقِيّ اللَّفْظِيّ.
وَكَذَلِكَ فِي الْمُوصى والواقف، فَإِنَّهُ يحمل كَلَام كلٍ على لغته وعرفه وَإِن خَالف لُغَة الشَّرْع وعرفه، إِلَّا فِي مسَائِل، استثناها صَاحب الْأَشْبَاه، الْعَمَل فِيهَا على عرف الشَّرْع. وَهِي: لَو حلف لَا يُصَلِّي أَو لَا يَصُوم أَو لَا ينْكح فُلَانَة وَهِي أَجْنَبِيَّة، فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث إِلَّا بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْم الشرعيين وَفِي النِّكَاح بِالْعقدِ. وَلَكِن فِي الْحَقِيقَة لَا اسْتثِْنَاء، فَإِن الْعرف فِيهَا مُوَافق للشَّرْع.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute