وَكَذَا لَو اسْتَأْجر إبِلا إِلَى مَكَّة ذَاهِبًا وجائياً وَدفع الْكِرَاء وَمَات رب الْإِبِل فِي الذّهاب فانفسخت الْإِجَارَة فَلهُ أَن يركبهَا وَلَا يضمن، وَعَلِيهِ أجرتهَا إِلَى مَكَّة فَإِذا أَتَاهَا وَرفع الْأَمر إِلَى القَاضِي فَرَأى بيعهَا وَدفع بعض الْأجر إِلَى الْمُسْتَأْجر جَازَ. وعَلى هَذَا لَو رهن الْمَدْيُون وَغَابَ غيبَة مُنْقَطِعَة، فَرفع الْمُرْتَهن الْأَمر إِلَى القَاضِي ليبيع الرَّهْن يَنْبَغِي أَن يجوز كَمَا فِي هَاتين الْمَسْأَلَتَيْنِ. انْتهى، وَأقرهُ فِي الْبَحْر (انْتهى كَلَام رد الْمُحْتَار) . أَقُول: وَأقرهُ فِي نور الْعين أَيْضا.
وَظَاهره أَنه فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (مَسْأَلَة اسْتِئْجَار الْإِبِل، وَمَسْأَلَة الرَّهْن) لَا بُد من إِقَامَة الْبَيِّنَة لَدَى القَاضِي على مَا ذكر ليجيبه القَاضِي إِلَى طلبه كَمَا فِي الْمَسْأَلَة الأولى. ثمَّ هَذِه الْبَيِّنَة إِنَّمَا تُقَام لَا لأجل الْقَضَاء على الْغَائِب، بل لنفي التُّهْمَة وانكشاف الْحَال (ر: رد الْمُحْتَار، من الْمحل الْمَذْكُور عَن الزَّيْلَعِيّ) .
وَمن هَذَا الْقَبِيل مَا جَاءَ فِي الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته، من خِيَار الشَّرْط _ عِنْد قَول المُصَنّف وَالشَّارِح: " فَإِن فسخ " بالْقَوْل " لَا " يَصح " إِلَّا إِذا علم "، نقلا عَن الْعَيْنِيّ _ من أَن البَائِع إِذا غَابَ وَلم يعلم بِالْفَسْخِ فَإِن المُشْتَرِي بِالْخِيَارِ يرفع الْأَمر للْحَاكِم لينصب عَن البَائِع الْغَائِب من يرد عَلَيْهِ الْمَبِيع. وَنقل فِي رد الْمُحْتَار _ تَحت هَذَا _ عَن الْعمادِيَّة أَن هَذَا أحد قَوْلَيْنِ، وَقيل: لَا ينصب لِأَنَّهُ ترك النّظر لنَفسِهِ بِعَدَمِ أَخذ وَكيل مِنْهُ ليرد عَلَيْهِ. انْتهى موضحاً. وَظَاهر كَلَام الْعمادِيَّة اخْتِيَار القَوْل الأول، وَهُوَ الَّذِي جزم بِهِ الْعَيْنِيّ.
وَمن هَذَا الْقَبِيل أَيْضا مَا جَاءَ فِي خِيَار الْعَيْب من التَّنْوِير وَشَرحه، نقلا عَن الدُّرَر مَا لَفظه: (ظهر عيب بمشري) البَائِع (الْغَائِب) وأثبته (عِنْد القَاضِي فَوَضعه عِنْد عدل) فَإِذا هلك (هلك على المُشْتَرِي إِلَّا إِذا قضى) القَاضِي (بِالرَّدِّ على بَائِعه) لِأَن الْقَضَاء على الْغَائِب بِلَا خصم ينفذ على الْأَظْهر. انْتهى. لَكِن كتب فِي رد الْمُحْتَار، تَحت قَول الشَّارِح ينفذ على الْأَظْهر، مَا لَفظه: (أَي لَو كَانَ القَاضِي يرى ذَلِك، كشافعي وَنَحْوه، بِخِلَاف الْحَنَفِيّ، كَمَا حَرَّره فِي الْبَحْر وقدمناه فِي كتاب الْمَفْقُود، وَسَيَأْتِي تَمَامه فِي الْقَضَاء) انْتهى. وَكتب الخادمي محشي الدُّرَر، نقلا عَن الْمنح، نَظِير مَا كتبه فِي رد الْمُحْتَار نقلا عَن الْبَحْر الَّذِي هُوَ مَأْخَذ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute