وَمِنْه: مَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ (فِي الْفَصْل الثَّامِن عشر، برمز فَتَاوَى أبي بكر مُحَمَّد بن الْفضل) حَيْثُ قَالَ: (وَاقعَة) كرم بَينهمَا بَاعَ أَحدهمَا حِصَّته من شَرِيكه بيعا جَائِزا (أَي بيعا بِالْوَفَاءِ) ثمَّ بَاعه من آخر باتاً حَتَّى توقف على إجَازَة شَرِيكه المُشْتَرِي وَفَاء، فَأجَاز شَرِيكه، فَهَل لشَرِيكه حق الشُّفْعَة؟ أجَاب جلّ الْمُفْتِينَ ببلدنا أَن لَهُ الشُّفْعَة، وأجبت: لَيْسَ لَهُ ذَلِك. انْتهى مُلَخصا. وَلَا يخفى أَن عدم ثُبُوت الشُّفْعَة لَهُ لكَونه بِدَعْوَى الشُّفْعَة يكون ساعياً فِي نقض ملك المُشْتَرِي الَّذِي تمّ من جِهَته بِالْإِجَازَةِ فَلَا تسمع مِنْهُ.
لَكِن يرد على فَتْوَى أبي بكر بن الْفضل هَذِه مَا جَاءَ فِي أَحْكَام الصغار (فِي الشُّفْعَة) م قَوْله: إِذا اشْترى الْأَب دَارا لِابْنِهِ الصَّغِير وَالْأَب شفيعها كَانَ للْأَب أَن يَأْخُذهَا بِالشُّفْعَة عندنَا. انْتهى. وَهَذِه الْمَسْأَلَة من مستثنيات الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة، وَلَا يخفى أَن إجَازَة مُشْتَرِي الْوَفَاء للْبيع البات لَيست بأقوى من مُبَاشرَة الْأَب الشِّرَاء لِابْنِهِ الصَّغِير لنَفسِهِ.
يظْهر أَن الصَّوَاب مَا أفتى بِهِ ابْن الْفضل من أَن الشَّرِيك الْمُجِيز لَيْسَ لَهُ الشُّفْعَة. وَبَيَان الْفرق حينئذٍ بَين هَذِه الْمَسْأَلَة وَمَسْأَلَة الْأَب أَن المُشْتَرِي بتاتاً فِي مَسْأَلَة الشَّرِيك يتَمَلَّك الْعقار بعد إجَازَة مُشْتَرِي الْوَفَاء بالاستناد إِلَى العقد السَّابِق الْحَاصِل قبل الْإِجَازَة، وبالإجازة يكون قد رَضِي بتملك ذَلِك المُشْتَرِي، وبهذه الْإِجَازَة أسقط حَقه بِالشُّفْعَة.
أما فِي مَسْأَلَة الْأَب فَإِن حق الشُّفْعَة إِنَّمَا يثبت لَهُ مَعَ فَرَاغه من إِجْرَاء عقد الشِّرَاء لِابْنِهِ، فَإِذا طلب الشُّفْعَة مَعَ تَمام العقد بِلَا فاصل لَا يكون قد حصل مِنْهُ