للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَلَا يخفى أَن مَا ذكره من أَن جُذُوع الآخر ترفع عِنْد الْإِثْبَات بِالْبَيِّنَةِ إِنَّمَا هُوَ إِذا لم يثبت قدم وَضعهَا، أما إِذا ثَبت أَنَّهَا مَوْضُوعَة من الْقَدِيم فَإِنَّهَا لَا ترفع، إِذا ظهر أَنَّهَا مَوْضُوعَة بِحَق، فَإِن الْقَدِيم يتْرك على قدمه. (ر: مَا سَيَأْتِي فِي الْقَاعِدَة التالية لهَذِهِ) .

وكما فِي مَسْأَلَة الْمَفْقُود _ وَهُوَ الْغَائِب غيبَة مُنْقَطِعَة بِحَيْثُ لَا يعرف مَوته أَو حَيَاته _ فَإِنَّهُ يعْتَبر حَيا فِي حق نَفسه، أَي فِي دفع اسْتِحْقَاق الْغَيْر مِنْهُ، إِلَى أَن يثبت مَوته حَقِيقَة بِالْبَيِّنَةِ أَو حكما بِأَن يقْضِي القَاضِي بِمَوْتِهِ بعد موت جَمِيع أقرانه، فَلَا يقسم، قبل ذَلِك، مَاله بَين ورثته وَلَا تفسخ إِجَارَته. وَلَو كَانَ لَهُ وَدِيعَة عِنْد أحد يجب على الْمُسْتَوْدع حفظهَا، وَلَيْسَ لأحد من وَارِث أَو قَاض أَن يَأْخُذهَا مِنْهُ إِذا كَانَ مَأْمُونا عَلَيْهَا. (ر: مَا تقدم فِي شرح الْمَادَّة الرَّابِعَة) .

وَيعْتَبر كالميت فِي جَانب الِاسْتِحْقَاق من غَيره، لِأَن اسْتِصْحَاب حَيَاته السَّابِقَة لَا يَكْفِي حجَّة للاستحقاق، فَلَا يَرث من غَيره بل يُوقف نصِيبه من الْمُورث، فَإِن ظهر حَيا أَخذه، وَإِن ثَبت مَوته حَقِيقَة أَو حكما أُعِيد النَّصِيب إِلَى وَرَثَة ذَلِك الْمُورث (ر: الدُّرَر وحاشيته، كتاب الْمَفْقُود) .

وكما لَو مَاتَ نَصْرَانِيّ مثلا فَجَاءَت امْرَأَته مسلمة وَقَالَت: أسلمت بعد مَوته فلي الْمِيرَاث، وَقَالَ الْوَرَثَة: أسلمت قبل مَوته فَلَا مِيرَاث لَك، فَالْقَوْل للْوَرَثَة لَا للْمَرْأَة، فَهُنَا كل من الطَّرفَيْنِ متمسك بِنَوْع من الِاسْتِصْحَاب، فالمرأة تُرِيدُ اسْتِحْقَاق الْإِرْث تمسكاً بالاستصحاب الْحَقِيقِيّ، وَهُوَ استمرارها إِلَى مَا بعد موت زَوجهَا على دينه الَّذِي كَانَت تدين بِهِ، والاستصحاب لَا يَكْفِي حجَّة للاستحقاق، وَالْوَرَثَة يدفعونها عَن اسْتِحْقَاق الْإِرْث تمسكاً بالاستصحاب المعكوس، وَهُوَ انسحاب مَانع الْإِرْث الْقَائِم بِالْمَرْأَةِ حِين الْخُصُومَة، أَعنِي إسْلَامهَا، إِلَى مَا قبل موت الزَّوْج، والاستصحاب يَكْفِي حجَّة للدَّفْع، فَكَانَ القَوْل لَهُم.

أما لَو مَاتَ الْمُسلم وَله امْرَأَة نَصْرَانِيَّة مثلا، فَجَاءَت بعد مَوته مسلمة وَقَالَت: أسلمت قبل مَوته فلي الْمِيرَاث، وَقَالَ الْوَرَثَة: أسلمت بعد مَوته، فَإِنَّهُ

<<  <   >  >>