فِي تأثرهم حَتَّى كَاد يصل بهم السّير إِلَى مَا وَرَاء الإعتدال فَسَقَطت مَنْزِلَتهمْ من النُّفُوس ونبذتهم الْعَامَّة وَلم تحفل بهم الْخَاصَّة وَذهب الزَّمَان بِمَا كَانَ ينْتَظر الْعَالم الإسلامى من سَعْيهمْ
هَذَا هُوَ السَّبَب فِي خلط مسَائِل الْكَلَام بمذاهب الفلسفة فِي كتب الْمُتَأَخِّرين كَمَا ترَاهُ فِي كتب البيضاوى والعضد وَغَيرهم وَجمع عُلُوم نظرية شَتَّى وَجعلهَا جَمِيعًا علما وَاحِدًا والذهاب بمقدماته ومباحثه إِلَى مَا هُوَ أقرب إِلَى التَّقْلِيد من النّظر فَوقف الْعلم عَن التَّقَدُّم
ثمَّ جَاءَت فتن طلاب الْملك من الأجيال الْمُخْتَلفَة وتغلب الْجُهَّال على الْأَمر وفتكوا بِمَا بقى من أثر الْعلم النظرى النابع من عُيُون الدّين الإسلامى فانحرفت الطَّرِيق بسالكيها وَلم يعد بَين الناظرين فِي كتب السَّابِقين إِلَّا تحاور فِي الْأَلْفَاظ أَو تناظر فِي الأساليب على أَن ذَلِك فِي قَلِيل من الْكتب أختارها الضعْف وفضلها الْقُصُور
ثمَّ انتشرت الفوضى الْعَقْلِيَّة بَين الْمُسلمين تَحت حماية الجهلة من ساستهم فجَاء قوم ظنُّوا فِي أنفسهم مالم يعْتَرف بِهِ الْعلم لَهُم فوضعوا مالم يعد لِلْإِسْلَامِ قبل باحتماله غير أَنهم وجدوا من نقص المعارف أنصارا وَمن الْبعد عَن ينابيع الدّين أعوانا فشردوا بالعقول عَن مواطنها وتحكموا فِي التضليل والتكفير وغلوا فِي ذَلِك حَتَّى قلدوا بعض من سبق من الْأُمَم فِي دَعْوَى الْعَدَاوَة بَين الْعلم وَالدّين وَقَالُوا لما تصف ألسنتهم الْكَذِب هَذَا حَلَال وَهَذَا حرَام وَهَذَا كفر وَهَذَا إِسْلَام وَالدّين من وَرَاء مَا يتوهمون وَالله جلّ شَأْنه فَوق مَا يظنون وَمَا يصفونَ وَلَكِن مَاذَا أصَاب الْعَامَّة فِي عقائدهم ومصادر أَعْمَالهم من أنفسهم بعد طول الْخبط وَكَثْرَة الْخَلْط شَرّ عَظِيم وخطب عميم
هَذَا مُجمل من تَارِيخ هَذَا الْعلم ينبئك كَيفَ أسس على قَوَاعِد من الْكتاب الْمُبين وَكَيف عبثت بِهِ فِي نِهَايَة الْأَمر أيدى المفرقين حَتَّى خَرجُوا بِهِ عَن قَصده وبعدوا بِهِ عَن حَده
والذى علينا اعْتِقَاده أَن الدّين الإسلامى دين تَوْحِيد فِي العقائد لَا دين تَفْرِيق فِي الْقَوَاعِد الْعقل من أَشد أعوانه وَالنَّقْل من أقوى أَرْكَانه وَمَا وَرَاء