أما وجوب تِلْكَ الصِّفَات الْمُتَقَدّمَة للأنبياء فلأنهم لَو انحطت فطرهم عَن فطر أهل زمانهم أَو تضاءلت أَرْوَاحهم لسلطان نفوس أخر أَو مس عُقُولهمْ شىء من الضعْف لما كَانُوا أَهلا لهَذَا الِاخْتِصَاص الإلهى الذى يفوق كل اخْتِصَاص اختصاصهم يوحيه والكشف لَهُم عَن أسرار علمه وَلَو لم تسلم أبدانهم عَن المنفرات لَكَانَ انزعاج النَّفس لمرآهم حجَّة للْمُنكر فى إِنْكَار دَعوَاهُم وَلَو كذبُوا أَو خانوا أَو قبحت سيرتهم لضعفت الثِّقَة بهم ولكانوا مضلين لَا مرشدين فتذهب الْحِكْمَة من بعثتهم وَالْأَمر كَذَلِك لَو أدركهم السَّهْو أَو النسْيَان فِيمَا عهد إِلَيْهِم تبليغه من العقائد وَالْأَحْكَام أما وُقُوع الْخَطَأ مِنْهُم فِيمَا لَيْسَ من الحَدِيث عَن الله ولاله مدْخل فى التشريع فجوزه بَعضهم وَالْجُمْهُور على خِلَافه وَمَا ورد من مثل أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن تأبير النّخل ثمَّ أَبَاحَهُ لظُهُور أَثَره فى الإثمار فَإِنَّمَا فعله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ليعلم النَّاس أَن مَا يتخذونه من وَسَائِل الْكسْب وطرق الصناعات فَهُوَ موكول لمعارفهم وتجاربهم وَلَا حظر عَلَيْهِم فِيهِ مَا دَامَت الشَّرَائِع مرعية والفضائل محمية وَمَا حَكَاهُ الله من قصَّة آدم وعصيانه بِالْأَكْلِ من الشَّجَرَة فمهما خفى فِيهِ سر النهى عَن الْأكل والمؤاخذة عَلَيْهِ وَغَايَة مَا علمناه من حكمته أَنه كَانَ سَببا لعمارة الأَرْض ببنى آدم كَأَن النهى وَالْأكل رمزان إِلَى طورين من أطوار آدم عَلَيْهِ السَّلَام أَو مظهران من مظَاهر النَّوْع الإنسانى فى الْوُجُود وَالله أعلم وَمن الْعسر إِقَامَة الدَّلِيل العقلى أَو إِصَابَة دَلِيل شرعى يقطع بِمَا ذهب إِلَيْهِ الْجُمْهُور
حَاجَة الْبشر إِلَى الرسَالَة
سبق لَك فى الْفَصْل السَّابِق مَا يهم الْكَلَام عَلَيْهِ من الْوَجْه الأول وَهُوَ وَجه مَا يجب على الْمُؤمن اعْتِقَاده فى الرُّسُل وَالْكَلَام فى هَذَا الْفَصْل موجه إِن شَاءَ الله إِلَى بَيَان الْحَاجة إِلَيْهِم وَهُوَ معترك الأفهام ومزلة الْإِقْدَام ومزدحم الْكثير من الأفكار والأوهام لسنا بصدد الاتيان بِمَا قَالَ الْأَولونَ وَلَا عرض مَا ذهب إِلَيْهِ الْآخرُونَ وَلَكنَّا نلزم مَا التزمنا فى هَذِه الوريقات من بَيَان المعتقد والذهاب