فَاسْتَجْمَعَ للْإنْسَان عِنْد بُلُوغ رشده كَمَا ذكرنَا حريَّة الْفِكر واستقلال الْعقل فى النّظر وَمَا بِهِ من صَلَاح السجايا واستقامة الطَّبْع وَمَا فِيهِ إنهاض العزائم إِلَى الْعَمَل وسوقها فى سبل السعى وَمن يَتْلُو الْقُرْآن حق تِلَاوَته يجد فِيهِ من ذَلِك كنزا لَا ينْفد وذخيرة لَا تفنى هَل بعد الرشد وصاية وَبعد اكتمال الْعقل ولَايَة كلا قد تبين الرشد من الغى وَلم يبْق إِلَّا اتِّبَاع الْهدى وَالِانْتِفَاع بِمَا ساقته أيدى الرَّحْمَة لبلوغ الْغَايَة من السعادتين لهَذَا ختمت النبوات بنبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وانتهت الرسالات برسالته كَمَا صرح بذلك الْكتاب وأيدته السّنة الصَّحِيحَة وبرهنت عَلَيْهِ خيبة مدعيها من بعده واطمئنان الْعَالم بِمَا وصل إِلَيْهِ من الْعلم إِلَى أَن لَا سَبِيل بعد لقبُول دَعْوَة بزعم الْقَائِم بهَا أَنه يحدث عَن الله بشرع أَو يصدع عَن وحيه بِأَمْر هَكَذَا يصدق نبأ الْغَيْب مَا كَانَ مُحَمَّد ابا أحد من رجالكم وَلَكِن رَسُول الله وَخَاتم النَّبِيين وَكَانَ الله بِكُل شىء عليما
انتشار الْإِسْلَام
بِسُرْعَة لم يعْهَد لَهَا نَظِير فى التَّارِيخ
كَانَت حَاجَة الْأُمَم إِلَى الْإِصْلَاح عَامَّة فَجعل الله رِسَالَة خَاتم النَّبِيين عَامَّة كَذَلِك لَكِن يندهش عقل النَّاظر فى أَحْوَال الْبشر عِنْدَمَا يرى أَن هَذَا الدّين يجمع إِلَيْهِ الْأمة الْعَرَبيَّة من أدناها إِلَى أقصاها فى أقل من ثَلَاثِينَ سنة ثمَّ يتَنَاوَل من بَقِيَّة الْأُمَم مَا بَين الْمُحِيط الغربى وجدار الصين فى أقل من قرن وَاحِد وَهُوَ أَمر لم يعْهَد فى تَارِيخ الْأَدْيَان وَلذَلِك ضل الْكثير فى بَيَان السَّبَب واهتدى إِلَيْهِ المنصفون فَبَطل الْعجب
ابْتَدَأَ هَذَا الدّين بالدعوة كَغَيْرِهِ من الْأَدْيَان ولقى من أَعدَاء أنفسهم أَشد مَا يلقى حق من بَاطِل أوذى الداعى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بضروب الْإِيذَاء وأقيم فى وَجهه مَا كَانَ يصعب تذليله من الْعقَاب لَوْلَا عناية الله وعذب المستجيبون لَهُ وحرموا الرزق وطردوا من الدَّار وسفكت مِنْهُم دِمَاء غزيرة غير أَن تِلْكَ