وَالسّنة فالإشراك اعْتِقَاد أَن لغير الله أثرا فَوق مَا وهبه الله من الْأَسْبَاب الظَّاهِرَة وَأَن لشىء من الْأَشْيَاء سُلْطَانا على مَا خرج عَن قدرَة المخلوقين وَهُوَ اعْتِقَاد من يعظم سوى الله مستعينا بِهِ فِيمَا لَا يقدر العَبْد عَلَيْهِ كالاستنصار فى الْحَرْب بِغَيْر قُوَّة الجيوش والاستشفاء من الْأَمْرَاض بغيرالأدوية الَّتِى هدَانَا الله إِلَيْهَا والاستعانة على السَّعَادَة الأخروية أَو الدُّنْيَوِيَّة بِغَيْر الطّرق وَالسّنَن الَّتِى شرعها الله لنا هَذَا هُوَ الشّرك الذى كَانَ عَلَيْهِ الوثنيون وَمن ماثلهم فَجَاءَت الشَّرِيعَة الإسلامية بمحوه ورد الْأَمر فِيمَا فَوق الْقُدْرَة البشرية والأسباب الكونية إِلَى الله وَحده وَتَقْرِير أَمريْن عظيمين هما ركنا السَّعَادَة وقوام الْأَعْمَال البشرية الأول أَن العَبْد يكْسب بإرادته وَقدرته مَا هُوَ وَسِيلَة لسعادته والثانى أَن قدرَة الله هى مرجع لجَمِيع الكائنات وَأَن من آثارها مَا يحول بَين العَبْد وَبَين إنقاذ مَا يُريدهُ وَأَن لَا شىء سوى الله يُمكن لَهُ أَن يمد العَبْد بالمعونة فِيمَا لم يلبغه كَسبه جَاءَت الشَّرِيعَة لتقرير ذَلِك وَتَحْرِيم أَن يَسْتَعِين العَبْد بِأحد غير خالقه فى توفيقه إِلَى إتْمَام عمله بعد إحكام البصيرة فِيهِ وتكليفه بِأَن يرفع همته إِلَى استمداد العون مِنْهُ وَحده بعد أَن يكون قد أفرغ مَا عِنْده من الْجهد فِي تَصْحِيح الْفِكر وإجادة الْعَمَل وَلَا يسمح الْعقل وَلَا الدّين لأحد أَن يذهب إِلَى غير ذَلِك وَهَذَا الذى قَرَّرْنَاهُ قد اهْتَدَى إِلَيْهِ سلف الْأمة فَقَامُوا من الْأَعْمَال بِمَا عجبت لَهُ الْأُمَم وعول عَلَيْهِ من متأخرى أهل النّظر إِمَام الْحَرَمَيْنِ الجوينى رَحمَه الله وَإِن أنكر عَلَيْهِ بعض من لم يفهمهُ
أكرر القَوْل بِأَن الْإِيمَان بوحدانية الله لَا يقتضى من الْمُكَلف إِلَّا اعْتِقَاد أَن الله صرفه فى قواه فَهُوَ كاسب كإيمانه وَلما كلفه الله بِهِ من بَقِيَّة الْأَعْمَال واعتقاد أَن قدرَة الله فَوق قدرته وَلها وَحدهَا السُّلْطَان الْأَعْلَى فى إتْمَام مُرَاد العَبْد بِإِزَالَة الْمَوَانِع أَو تهيئة الْأَسْبَاب المتممة مِمَّا لَا يُعلمهُ وَلَا يدْخل تَحت إِرَادَته
أما التطلع إِلَى مَا هُوَ أغمض من ذَلِك فَلَيْسَ من مُقْتَضى الْإِيمَان كَمَا بَينا وَإِنَّا هُوَ من شَره الْعُقُول فى طلب رفع الأستار عَن الْأَسْرَار وَلَا أنكر أَن قوما قد وصلوا بِقُوَّة الْعلم والمثابرة على مجاهدة المدارك إِلَى مَا أطمأنت بِهِ نُفُوسهم