بِهِ فِي مخاطبات الأجيال السَّابِقَة فَمن صِفَات الْبشر مَا يشاركها فِي الإسم أَو فى الْجِنْس كالقدرة وَالِاخْتِيَار والسمع وَالْبَصَر وَعزا إِلَيْهِ أمورا يُوجد مَا يشبهها فِي الْإِنْسَان كالاستواء على الْعَرْش وكالوجه وَالْيَدَيْنِ ثمَّ أَفَاضَ فِي الْقَضَاء السَّابِق وفى الِاخْتِيَار الممنوح للْإنْسَان وجادل الغالين من أهل المذهبين ثمَّ جَاءَ بالوعد والوعيد على الْحَسَنَات والسيئات ووكل الْأَمر فِي الثَّوَاب وَالْعِقَاب إِلَى مَشِيئَة الله وأمثال ذَلِك مِمَّا لَا حَاجَة إِلَى بَيَانه فِي هَذِه الْمُقدمَة
فأعتبار حكم الْعقل مَعَ وُرُود أَمْثَال هَذِه المشابهات فِي النَّقْل فسح مجالا للناظرين خُصُوصا ودعوة الدّين إِلَى الْفِكر فِي الْمَخْلُوقَات لم تكن محدودة بِحَدّ وَلَا مَشْرُوطَة بِشَرْط للْعلم بِأَن كل نظر صَحِيح فَهُوَ مؤد إِلَى الِاعْتِقَاد بِاللَّه على مَا وَصفه بِلَا غلو فِي التَّجْرِيد وَلَا دنو من التَّحْدِيد
مضى زمن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ الْمرجع فِي الْحيرَة والسراج فِي ظلمات الشُّبْهَة وَقضى الخليفتان بعده مَا قدر لَهما من الْعُمر فِي مدافعة الْأَعْدَاء وَجمع كلمة الْأَوْلِيَاء وَلم يكن للنَّاس من الْفَرَاغ مَا يخلون فِيهِ مَعَ عُقُولهمْ ليبتلوها بالبحث فِي مبانى عقائدهم وَمَا كَانَ من اخْتِلَاف قَلِيل رد إِلَيْهِمَا وَقضى الْأَمر فِيهِ بحكمهما بعد استشارة من جاورهما من أهل الْبَصَر بِالدّينِ إِن كَانَت حَاجَة إِلَى الاستشارة وأغلب الْخلاف كَانَ فِي فروع الْأَحْكَام لَا فى أصُول العقائد ثمَّ كَانَ النَّاس فِي الزمنين يفهمون إشارات الْكتاب ونصوصه ويعتقدون بالتنزيه ويفوضون فِيمَا يُوهم التَّشْبِيه وَلَا يذهبون وَرَاء مَا يفهمهُ ظَاهر اللَّفْظ
كَانَ الْأَمر على ذَلِك إِلَى أَن حدث مَا حدث فِي عهد الْخَلِيفَة الثَّالِث وأفضى إِلَى قَتله هوى بِتِلْكَ الْأَحْدَاث ركن عَظِيم من هيكل الْخلَافَة واصطدام الْإِسْلَام وَأَهله صدمة زحزحتهم عَن الطَّرِيق الَّتِى استقاموا عَلَيْهَا وبقى الْقُرْآن قَائِما على صراطه {إِنَّا نَحن نزلنَا الذّكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون} وَفتح للنَّاس بَاب لتعدى الْحُدُود الَّتِى حَدهَا الدّين فقد قتل الْخَلِيفَة بِدُونِ حكم شرعى وأشعر الْأَمر قُلُوب الْعَامَّة أَن شهوات تلاعبت بالعقول فِي أنفس من لم يملك الْإِيمَان قُلُوبهم وَغلب الْغَضَب على كثير من الغالين فِي دينهم وتغلب هَؤُلَاءِ وَأُولَئِكَ على أهل الْأَصَالَة مِنْهُم فَقضيت أُمُور غير مَا يحبونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute