وَوجد من أهل الْإِخْلَاص من انتدب للنَّظَر فِي الْعلم وَالْقِيَام بفريضة التَّعْلِيم وَمن أشهرهم الْحسن البصرى فَكَانَ لَهُ مجْلِس للتعليم والإفادة فِي الْبَصْرَة يجْتَمع إِلَيْهِ الطالبون من كل صوب وتمتحن فِيهِ الْمسَائِل من كل نوع وَكَانَ قد التحف بِالْإِسْلَامِ وَلم يتبطنه أنَاس من كل مِلَّة دَخَلُوهُ حاملين لما كَانَ عِنْدهم راغبين أَن يصلوا بَينه وَبَين مَا وجدوه فثارت الشُّبُهَات بَعْدَمَا هبت على النَّاس أعاصير الْفِتَن وَاعْتمد كل نَاظر على مَا صرح بِهِ الْقُرْآن من إِطْلَاق الْعَنَان للفكر وشارك الدخلاء من حق لَهُم السَّبق من العرفاء وبدت رُءُوس المشاقين تعلو بَين الْمُسلمين
وَكَانَت أول مَسْأَلَة ظهر الْخلاف فِيهَا مَسْأَلَة الأختيار واستقلال الْإِنْسَان بإرادته وأفعاله الأختيارية وَمَسْأَلَة من ارْتكب الْكَبِيرَة وَلم يتب اخْتلف فِيهَا وأصل بن عَطاء وأستاذه الْحسن البصرى واعتزله يعلم أصولا لم يكن أَخذهَا عَنهُ غير أَن كثيرا من السّلف وَمِنْهُم الْحسن على قَول كَانَ على رأى أَن العَبْد مُخْتَار فِي أَعماله الصادرة عَن علمه وإرادته وَقَامَ يُنَازع هَؤُلَاءِ أهل الْجَبْر الَّذين ذَهَبُوا إِلَى أَن الْإِنْسَان فِي عمله الإرادى كأغصان الشَّجَرَة فِي حركاتها الأضطرارية كل ذَلِك وأرباب السُّلْطَان من بنى مَرْوَان لَا يحفلون بِالْأَمر وَلَا يعنون برد النَّاس إِلَى أصل وجمعهم على أَمر يشملهم ثمَّ يذهب كل إِلَى مَا شَاءَ سوى أَن عمر بن عبد الْعَزِيز أَمر الزهرى بتدوين مَا وصل إِلَيْهِ من الحَدِيث وَهُوَ أول من جمع الحَدِيث
ثمَّ لم يقف الْخلاف عِنْد الْمَسْأَلَتَيْنِ السابقتين بل امْتَدَّ إِلَى إِثْبَات صِفَات الْمعَانى للذات الإلهية أَو نَفيهَا عَنْهَا وَإِلَى تَقْرِير سلطة الْعقل فِي معرفَة جَمِيع الْأَحْكَام الدِّينِيَّة حَتَّى مَا كَانَ مِنْهَا فروعا وعبادات غلوا فِي تأييد خطة الْقُرْآن أَو تَخْصِيص تِلْكَ السلطة بالأصول الأولى على مَا سبق بَيَانه ثمَّ غالى آخَرُونَ وهم الأقلون فمحوها بالمرة وخالفوا فِي ذَلِك طَريقَة الْكتاب عنادا للأولين وَكَانَت الآراء فِي الْخُلَفَاء والخلافة تسير مَعَ الآراء فِي العقائد كَأَنَّهَا مبْنى من مبانى الِاعْتِقَاد الإسلامى