عَن الله وإتيانهم فى ذَلِك على مبلغ استطاعتهم وَكَانَ فيهم الْمُلُوك الَّذين تحملهم عزة الْملك على معاندته والأمراء الَّذين يَدعُوهُم السُّلْطَان إِلَى مناوأته والخطباء وَالشعرَاء وَالْكتاب الَّذين يشمخون بأنوفهم عَن مُتَابَعَته وَقد اشْتَدَّ جَمِيع أُولَئِكَ فى مقاومته وانهالوا بقواهم عَلَيْهِ استكبارا عَن الخضوع لَهُ وتمسكا بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ من أَدْيَان آبَائِهِم وحمية لعقائدهم وعقائد أسلافهم وَهُوَ مَعَ ذَلِك يخطىء آراءهم ويسفه أحلامهم ويحتقر أصنامهم ويدعوهم إِلَى مَا لم تعهده أيامهم وَلم تخفق لمثله أعلامهم وَلَا حجَّة لَهُ بَين يدى ذَلِك كُله إِلَّا تحديهم بالإتيان بِمثل أقصر سُورَة من ذَلِك الْكتاب أَو بِعشر سور من مثله وَكَانَ فى استطاعتهم أَن يجمعوا إِلَيْهِ من الْعلمَاء والفصحاء البلغاء مَا شَاءُوا ليأتوا بشىء من مثل مَا أَتَى بِهِ ليبطلوا الْحجَّة ويفحموا صَاحب الدعْوَة
جَاءَنَا الْخَبَر الْمُتَوَاتر أَنه مَعَ طول زمن التحدى ولجاج الْقَوْم فى التعدى أصيبوا بِالْعَجزِ وَرَجَعُوا بالخيبة وحقت للْكتاب الْعَزِيز الْكَلِمَة الْعليا على كل كَلَام وَقضى حكمه العلى على جَمِيع الْأَحْكَام أَلَيْسَ فى ظُهُور مثل هَذَا الْكتاب على لِسَان أمى أعظم معْجزَة وأدل برهَان على أَنه لَيْسَ من صنع الْبشر وَإِنَّمَا هُوَ النُّور المنبعث عَن شمس الْعلم الإلهى وَالْحكم الصَّادِر عَن الْمقَام الربانى على لِسَان الرَّسُول الأمى صلوَات الله عَلَيْهِ
هَذَا وَقد جَاءَ فى الْكتاب من أَخْبَار الْغَيْب مَا صدقته حوادث الْكَوْن كالخبر فى قَوْله {غلبت الرّوم فِي أدنى الأَرْض وهم من بعد غلبهم سيغلبون فِي بضع سِنِين} وكالوعد الصَّرِيح فى قَوْله وعد الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وعملو الصَّالِحَات ليَستَخْلِفنهم فى الأَرْض كَمَا اسْتخْلف الَّذين من قبلهم الْآيَة وَقد تحقق جَمِيع ذَلِك وفى الْقُرْآن كثير من مثل هَذَا يُحِيط بِهِ من يتلوه حق تِلَاوَته وَمن الْكَلَام عَن الْغَيْب فِيهِ مَا جَاءَ فى تحدى الْعَرَب بِهِ واكتفائه فى الرُّجُوع عَن دَعْوَاهُ بِأَن يأتو بِسُورَة من مثله مَعَ سَعَة الْبِلَاد الْعَرَبيَّة ووفرة سكانها وتباعد أطرافها وانتشار دَعوته على لِسَان الوافدين إِلَى مَكَّة من جَمِيع