للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

العواقب السَّيئَة لأعمال من سبقهمْ وطغيان الشَّرّ الذى وصل إِلَيْهِم بِمَا اقترفه سلفهم {قل سِيرُوا فِي الأَرْض ثمَّ انْظُرُوا كَيفَ كَانَ عَاقِبَة المكذبين} وَإِن أَبْوَاب فضل الله لم تغلق دون طَالب وَرَحمته الَّتِى وسعت كل شىء لن تضيق عَن دائب عَابَ أَرْبَاب الْأَدْيَان فى افتفائهم أثر آبَائِهِم ووقوفهم عِنْد مَا اختطته لَهُم سير أسلافهم وَقَوْلهمْ {بل نتبع مَا وجدنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} {إِنَّا وجدنَا آبَاءَنَا على أمة وَإِنَّا على آثَارهم مهتدون} فَأطلق بِهَذَا سُلْطَان الْعقل من كل مَا كَانَ قَيده وخلصه من كل تَقْلِيد كَانَ استعبده ورده إِلَى مَمْلَكَته يقْضى فِيهَا بِحكمِهِ وحكمته مَعَ الخضوع مَعَ ذَلِك لله وَحده وَالْوُقُوف عِنْد شَرِيعَته وَلَا حد للْعَمَل فى منْطقَة حُدُودهَا وَلَا نِهَايَة للنَّظَر يَمْتَد تَحت بنودها

بِهَذَا وَمَا سبقه تمّ للانسان بِمُقْتَضى دينه أَمْرَانِ عظيمان طالما حرم مِنْهُمَا وهما اسْتِقْلَال الْإِرَادَة واستقلال الرأى والفكر وَبِهِمَا كملت لَهُ إنسانيته واستعد لِأَن يبلغ من السَّعَادَة مَا هيأه الله لَهُ بِحكم الْفطْرَة الَّتِى فطر عَلَيْهَا وَقد قَالَ بعض حكماء الغربيين من متأخيريهم إِن نشأة الْمَدِينَة فى أوربا إِنَّمَا قَامَت على هذَيْن الْأَصْلَيْنِ فَلم تنهض النُّفُوس للْعَمَل وَلم تتحرك الْعُقُول للبحث وَالنَّظَر إِلَّا بعد أَن عرف الْعدَد الْكثير أنفسهم وَأَن لَهُم حَقًا فى تصريف اختيارهم وفى طلب الْحَقَائِق بعقولهم وَلم يصل إِلَيْهِم هَذَا النَّوْع من الْعرْفَان إِلَّا فى الجيل السَّادِس عشر من مِيلَاد الْمَسِيح وَقرر ذَلِك الْحَكِيم أَنه شُعَاع سَطَعَ عَلَيْهِم من آدَاب الْإِسْلَام ومعارف الْمُحَقِّقين من أَهله من تِلْكَ الْأَزْمَان

رفع الاسلام بكتابه الْمنزل مَا كَانَ قد وَضعه رُؤَسَاء الْأَدْيَان من الْحجر على عقول المتدينين فى فهم الْكتب السماوية استثار من أُولَئِكَ الرؤساء بِحَق الْفَهم لانفسهم وضنا بِهِ على كل من لم يلبس لباسهم وَلم يسْلك مسلكهم لنيل تِلْكَ الرتب المقدسة ففرضوا على الْعَامَّة أَو أباحوا لَهُم أَن يقرءوا قطعا من تِلْكَ الْكتب لَكِن على شريطة أَن لَا يفهموها وَلَا أَن يطيلوا أنظارهم إِلَى مَا ترمى

<<  <   >  >>