حمل الغرب على الشرق حَملَة وَاحِدَة لم يبْق ملك من ملوكه وَلَا شعب من شعوبه إِلَّا اشْترك فِيهَا واستمرت المجالدات بَين الغربيين والشرقيين أَكثر من مائتى سنة جمع فِيهَا الغربيون من الْغيرَة وَالْحمية للدّين مَا لم يسْبق لَهُم من قبل وجيشوا من الْجند وَأَعدُّوا من الْقُوَّة مَا بلغته طاقتهم وزحفوا على ديار الْمُسلمين وَكَانَت فيهم بَقِيَّة من روح الدّين فغلب الغربيون على كثير من الْبِلَاد الإسلامية وانتهت تِلْكَ الحروب الجارفة بإجلائهم عَنْهَا لم جَاءُوا وبماذا رجعُوا ظفر رُؤَسَاء الدّين فى الغرب بإثارة شعوبهم ليبيدوا مَا يشاءون من سكان الشرق أَو يستولى سُلْطَان تِلْكَ الشعوب على مَا يَعْتَقِدُونَ لأَنْفُسِهِمْ الْحق فى الِاسْتِيلَاء عَلَيْهِ من الْبِلَاد الإسلامية جَاءَ من الْمُلُوك والأمراء وذوى الثروة والأعلياء جم غفير وَجَاء مِمَّن دونهم من الطَّبَقَات مَا قدروه بالملايين اسْتَقر الْمقَام بِكَثِير من هَؤُلَاءِ فى أَرض الْمُسلمين وَكَانَت فترات تنطفىء فِيهَا نَار الْغَضَب وتثوب الْعُقُول إِلَى سكينتها تنظر فى أَحْوَال المجاورين وتلتقط من أفكار المخالطين وتنفعل بِمَا ترى وَمَا تسمع فتبينت أَن المبالغات الَّتِى أطاشت الأحلام وجسمت الآلام لم تصب مُسْتَقر الْحَقِيقَة ثمَّ وجدت حريَّة فى دين وعلما وَشرعا وصنعة مَعَ كَمَال فى يَقِين وتعلمت أَن حريَّة الْفِكر وسعة الْعلم من وَسَائِل الْإِيمَان لَا من العوادى عَلَيْهِ ثمَّ جمعت من الْآدَاب مَا شَاءَ الله وَانْطَلَقت إِلَى بلادها قريرة الْعين بِمَا غنمته من جلادها هَذَا إِلَى مَا كَسبه السفار من أَطْرَاف الممالك إِلَى بِلَاد الأندلس بمخالطة حكمائها وأدبائها ثمَّ عَادوا بِهِ إِلَى شعوبهم ليذيقوهم حلاوة مَا كسبوا وَأخذت الأفكار من ذَلِك الْعَهْد تتراسل وَالرَّغْبَة فى الْعلم تتزايد بَين الغربيين ونهضت الهمم لقطع سلاسل التَّقْلِيد ونزعت العزائم إِلَى تَقْيِيد سُلْطَان زعماء