للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «ذُكر الطاعون فذكرت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: وخزة تصيب أمتي من أعدائهم من الجن: غدة كغدة الإبل. من أقام عليه كان مرابطاً، ومن أصيب به كان شهيداً، ومن فر منه كالفار من الزحف» (١).

قال ابن حجر -رحمه الله-: ووصف طعن الجن بأنه وخز؛ لأنه يقع من الباطن إلى الظاهر فيؤثر بالباطن أولاً، ثم يؤثر في الظاهر وقد لا ينفذ، وهذا بخلاف طعن الإنس فإنه يقع من الظاهر إلى الباطن فيؤثر في الظاهر أولاً، ثم يؤثر في الباطن وقد لا ينفذ (٢).

وقال الزبيدي -رحمه الله-: والذي عليه المحققون من الفقهاء والمحدثين أنهما متباينان، فالوباء: وخم يغير الهواء فتكثر بسببه الأمراض في الناس، والطاعون هو الضرب الذي يصيب الإنحس من الجن، وأيدوه بما في الحديث أنه وخز أعدائكم من الجن (٣).

وقد حاول بعض الباحثين تفسير الوخز تفسيراً طبياً وذكر بأن المقصود به طعن البراغيث وليس طعن الجن.

فقال: الطعن غير نافد هو طعن البراغيث (٤) المستترة، ووخزها المقصودة بلفظ الجن: والواقع أن هذه البراغيث التي تطعن في جلد الإنسان أو الحيوان بفكيها الحادين تطعن طعناً نافذاً، ويسيل دم قليل لا يلاحظه المرء، ويتغذى عليه البرغوث، وفي أثناء ذلك يقيء ما في معدته المسدودة بميكروبات الطاعون التي تنساب من فيه إلى مكان الوخزة، ثم تنتقل عبر الأوعية اللمفاوية إلى الغدد اللمفاوية في المراق أو الإبط أو العنق حسب مكان الوخزة .. ، ولا شك أن هذه البراغيث التي تسبب الطاعون، وهي مما لا يلاحظه الإنسان بل تستتر عنه وتختفي بين الملابس ولا يكاد يراها إلا بعد مشقة البحث عنها، ويمكن أن نطلق عليها لفظ الجن؛ لأن الجن كل مختفي ومستتر، والخلاصة أن لفظ الجن الوارد في الطاعون والمعبر عنه بلفظ وخز الجن، ينبغي أن ينصرف إلى هذه المخلوقات الصغيرة المختفية التي لا تكاد ترى إلا بالبحث عنها، وهي البراغيث. فهي التي تخز، وهي التي تسبب الطاعون وتنقله ... ولا علاقة


(١) رواه أبو يعلى في مسنده، ح (٤٦٦٤)، (٨/ ١٢٥)، وقال الألباني في صحيح الجامع، (٢/ ٧٣١): حسن.
(٢) فتح الباري، (١٠/ ١٨٢).
(٣) تاج العروس، (١/ ٤٧٨).
(٤) البرغوث: نوع من الحشرات، من صغار الهوام من فصيلة البرغوثيات، عضوض شديد الوثب، يمتص دم الإنسان والحيوان وينقل إليه الأمراض الخبيثة. ينظر: معجم اللغة العربية المعاصرة، (١/ ١٩١).

<<  <   >  >>