للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للجن، - المخلوقات النارية - بموضوع الطاعون مطلقاً، وهو الذي ينبغي أن يصار إليه، وإلا فإن العلم يناقض القول بأن سبب الطاعون مخلوقات نارية تسمى الجن؛ فالعلم والطب واللغة كلها تؤيد ما ذهبنا أن لفظ الجن في أحاديث الطاعون المرتبط بالوخز يشير إلى إليه، وهو البراغيث المختفية المتوارية والتي تخز الجلد وخزاً، وتنقل ميكروبات الطاعون في إفرازاتها ورجيعها (١).

وقد رد العلماء قديماً وحديثاً على مثل هذه الدعاوي وفندوها، فقد قال العيني -رحمه الله-: فإن قلت إن لشارع أخبر بأن الطاعون من وخز الجن فبينه وبين ما ذكر من الأقوال في تفسير الطاعون منافاة ظاهراً، قلت: الحق ما قاله الشارع، والأطباء تكلموا في ذلك على ما اقتضته قواعدهم، وطعن الجن أمر لا يدرك بالعقل فلم يذكروه على أنه يحتمل أن تحدث هذه الأشياء فيمن يطعن عند وخز الجن، ومما يؤيد أن الطاعون من وخز الجن وقوعه غالبا في أعدل الفصول وفي أصح البلاد هواء وأطيبها ماء، ولو كان من فساد الهواء لعم الناس الذين يقع فيهم الطاعون ولطعنت الحيوانات أيضاً (٢).

وقال ابن القيم -رحمه الله-: والرسل تخبر بالأمور الغائبة، وهذه الآثار التي أدركوها من أمر الطاعون ليس معهم ما ينفي أن تكون بتوسط الأرواح، فإن تأثير الأرواح في الطبيعة وأمراضها وهلاكها أمر لا ينكره إلا من هو أجهل الناس بالأرواح وتأثيراتها، وانفعال الأجسام وطبائعها عنها، والله سبحانه قد يجعل لهذه الأرواح تصرفاً في أجسام بني آدم عند حدوث الوباء، وفساد الهواء، كما يجعل لها تصرفاً عند بعض المواد الرديئة التي تحدث للنفوس هيئة رديئة، ولا سيما عند هيجان الدم، والمرة السوداء، وعند هيجان المني، فإن الأرواح الشيطانية تتمكن من فعلها بصاحب هذه العوارض ما لا تتمكن من غيره، ما لم يدفعها دافع أقوى من هذه الأسباب من الذكر، والدعاء، والابتهال والتضرع، والصدقة، وقراءة القرآن، فإنه يستنزل بذلك من الأرواح الملكية ما يقهر هذه الأرواح الخبيثة، ويبطل شرها ويدفع تأثيرها (٣).


(١) ينظر: مقدمة د. محمد علي البار لكتاب ما رواه الواعون في أخبار الطاعون للسيوطي، ص (٤٦ - ٤٧).
(٢) عمدة القاري شرح صحيح البخاري، (٢١/ ٢٥٧).
(٣) الطب النبوي، ص (٣٢).

<<  <   >  >>