للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقول ابن تيمية -رحمه الله-: وليس لأحد أن يسن للناس نوعاً من الأذكار والأدعية غير المسنون، ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس؛ بل هذا ابتداع دين لم يأذن الله به؛ بخلاف ما يدعو به المرء أحياناً من غير أن يجعله للناس سنة فهذا إذا لم يعلم أنه يتضمن معنى محرما لم يجز الجزم بتحريمه؛ لكن قد يكون فيه ذلك والإنسان لا يشعر به، وهذا كما أن الإنسان عند الضرورة يدعو بأدعية تفتح عليه ذلك الوقت فهذا وأمثاله قريب، وأما اتخاذ ورد غير شرعي واستنان ذكر غير شرعي: فهذا مما ينهى عنه ومع هذا ففي الأدعية الشرعية والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة، ونهاية المقاصد العلية، ولا يعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهل أو مفرط أو متعد (١). ...

وقد سئل الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- عن بعض الأذكار والأدعية التي تقال في غير محلها فقال -رحمه الله-: هذه الأذكار وإن كانت في أصلها شرعية، قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: ٦٠]، وقال سبحانه: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُو فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: ١١٠]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «الدعاء مخ العبادة» (٢)، إلا أنها بتحديدها وكيفيتها أخرجت الذكر المشروع إلى غير مشروع، فارتفع اعتبار المشروع الأصلي، وصارت هذه الأذكار من أنواع البدع، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «كل بدعة ضلالة» (٣) فهي بدع إضافية (٤).

ثانياً: أن الله قد أمر بطاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن أي مخالفة لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - هو مخالفة لأمر الله ومثل طريقة هذه الأدعية والأذكار هي من المبتدعات التي لم تنقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما أنها تخالف سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، والله عز وجل يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ


(١) مجموع الفتاوى (٢٢/ ٥١١).
(٢) رواه الترمذي، ح (٣٣٧١)، (٥/ ٣١٦)، والطبراني في الأوسط، ح (٣١٩٦)، (٣/ ٢٩٢)، وقال الأرناؤوط في حاشية المسند، (٣٠/ ٢٩٩): حسن لشواهده.
(٣) رواه أحمد في المسند، ح (١٧١٤٤)، (٢٨/ ٣٧٣)، وأبو داود، (٤٦٠٧)، (٧/ ١٦)، والترمذي، (٢٦٧٦)، (٤/ ٣٤١)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(٤) فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ، (٩/ ٤٢).

<<  <   >  >>