للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التوجيه العقدي لهذه النازلة كالآتي:

أولاً: أن الله أرشد عباده في ضروراتهم وحاجاتهم إلى إخلاص الدعاء له وحده سبحانه دون غيره، كما قال سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (١٨٦)} [البقرة: ١٨٦]، وقال سبحانه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (٦٠)} [غافر: ٦٠]، وقال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (٦٢)} [النمل: ٦٢].

يقول ابن القيم -رحمه الله-: إن الرب سبحانه يحب من عبده أن يسأله ويرغب إليه؛ لأن وصول بره وإحسانه إليه موقوف على سؤاله. بل هو المتفضل به ابتداء بلا سبب من العبد، ولا توسط سؤاله وطلبه.

بل قدر له ذلك الفضل بلا سبب من العبد، ثم أمره بسؤاله والطلب منه؛ إظهارا لمرتبة العبودية والفقر والحاجة، واعترافا بعز الربوبية وكمال غنى الرب، وتفرده بالفضل والإحسان، وأن العبد لا غنى له عن فضله طرفة عين، فيأتي بالطلب والسؤال إتيان من يعلم أنه لا يستحق بطلبه وسؤاله شيئاً؛ لكن ربه تعالى يحب أن يسأل، ويرغب إليه، ويطلب منه (١).

ثانياً: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يأمر بتلاوة القرآن أو قراءة شيء من الحديث عند دفع الضر أو جلب النفع أو مقاومة العدو، وإنما كان يأمر بالدعاء، وكان يرشد إلى الدعاء بفعله وقوله، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - في الاستنصار: «اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم (٢)»، وقال - صلى الله عليه وسلم - في الاستسقاء: «اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا (٣)».

ثالثاً: أن ذلك لم يكن من هدي الصحابة وهم أشد الناس تعظيمًا لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فلم يكونوا يتعبدون بتلاوة الحديث إلا للحفظ والتبليغ، بل لم يكونوا يأمرون الناس بتلاوة القرآن إذا نزلت


(١) مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، (٣/ ١٠١ - ١٠٢).
(٢) رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب: لا تمنوا لقاء العدو، ح (٣٠٢٤)، (٤/ ٦٣)، ومسلم في كتاب الجهاد والسير، باب كراهة تمني لقاء العدو، والأمر بالصبر عند اللقاء، ح (١٧٤٢)، (٣/ ١٣٦٢).
(٣) رواه البخاري في أبواب الاستسقاء، باب الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة، ح (١٠١٤)، (٢/ ٢٨)، ومسلم في كتاب صلاة الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء، ح (٨٩٧)، (٢/ ٦١٢).

<<  <   >  >>