للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بهم ضرورة أو خافوا عدوًا، وقد نزلت بهم شدائد مِن: قحط، ومرض، وطاعون، وغزو عدو، فلم يلجأوا إلا إلى الله في مثل هذه الأحوال، وكذلك السلف الصالح من القرون المفضلة لم يؤثر على أحد منهم التعبد بتلاوة الحديث أو غيره من الكتب.

رابعاً: أن التوسل في أصله ينقسم إلى قسمين: التوسل المشروع: وهذا القسم يشمل أنواعاً منها: التوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته، كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: ١٨٠]، والتوسل إلى الله تعالى بذكر وعده جل وعلا، كما في قوله تعالى: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ} [آل عمران: ١٩٤]، ومنه أن يقول الداعي: اللهم إنك وعدت من دعاك بالإجابة، فاستجب دعائي. وكذلك التوسل إلى الله تعالى بأفعاله جل وعلا، كأن يقول: اللهم يا من نصرت محمداً - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر انصرنا على القوم الكافرين، أو أن يتوسل العبد إلى الله تعالى بعباداته القلبية، أو الفعلية، أو القولية، أو غيرها، كما في قصة الثلاثة أصحاب الغار، فأحدهم توسل إلى الله تعالى ببره بوالديه، والثاني توسل إلى الله تعالى بإعطاء الأجير أجره كاملاً بعد تنميته له، والثالث توسل إلى الله تعالى بتركه الفاحشة، وقال كل واحد منهم في آخر دعائه: «اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه» (١)، أو أن يتوسل إلى الله تعالى بذكر حاله، وأنه محتاج إلى رحمة الله وعونه، كما في دعاء موسى عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (٢٤)} [القصص: ٢٤]، أو التوسل بدعاء الصالحين رجاء أن يستجيب الله دعاءهم. وذلك بأن يطلب من مسلم حي حاضر أن يدعو له، كما طلب عمر - رضي الله عنه - ومعه الصحابة - رضي الله عنهم - من العباس - رضي الله عنه - أن «يستسقي لهم» (٢)، أي أن يدعو الله أن يغيثهم بنزول المطر.

فهذه التوسلات كلها صحيحة؛ لأنه قد ثبت في النصوص ما يدل على مشروعيتها، وأجمع أهل العلم على ذلك. (٣)


(١) رواه البخاري كتاب البيوع، باب إذا اشترى شيئا لغيره بغير إذنه فرضي، ح (٢٢١٥)، (٢/ ٩٧)، ومسلم في كتاب الرقاق، باب قصة أصحاب الغار الثلاثة والتوسل بصالح الأعمال ح (٢٧٤٣)، (٤/ ٢٠٩٩).
(٢) رواه البخاري في أبواب الاستسقاء، باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا، ح (١٠١٠)، (٢/ ٢٧).
(٣) ينظر: مجموع الفتاوى، (٢٧/ ١٣١ - ١٣٣)، واقتضاء الصراط المستقيم، (٢/ ٣١٨)، ومجموع فتاوى بن باز، (٤/ ٣١٩ - ٣٢٠)، ومجموع فتاوى بن عثيمين، (٥/ ٢٨٠ - ٢٨٨).

<<  <   >  >>