للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التوجيه العقدي الصحيح لهذه النازلة كالآتي:

أولاً: إن الاعتقاد بأن هذه الأمراض والأوبئة مؤثرة بدون تقدير الله تعالى ومشيئته اعتقاد يقدح في التوحيد؛ لأنه ليس هناك شيء يستقل بالتأثير بدون مشيئة الله تعالى، وأن الأسباب وإن عظمت لا تأثير لها إلا بإذن الله عز وجل قال الله تعالى في السحرة: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: ١٠٢]، أي بقضاء الله (١)، فإنه لا يحدث شيء إلا بمشيئته وإرادته سبحانه وتعالى (٢).

والله تعالى شرع لنا الأخذ بالأسباب، وأمرنا بذلك في مواضع كثيرة، والتداوي بالعلاجات والأدوية من الأخذ بالأسباب، والمؤمن يحقق التوحيد فيعلم أن الأمر كله لله، ويمتثل الشرع فيأخذ بالأسباب ويستعمل كل ما فيه نفع لبدنه وصحته.

يقول ابن تيمية -رحمه الله-: وأهل السنة لا ينكرون وجود ما خلقه الله من الأسباب ولا يجعلونها مستقله بالآثار، بل يعلمون أنه ما من سبب مخلوق إلا وحكمه متوقف على سبب آخر، وله موانع تمنع حكمه، كما أن الشمس سبب في الشعاع، وذلك موقوف على حصول الجسم القابل به، وله مانع كالسحاب والسقف والله خالق الأسباب كلها، ودافع الموانع (٣).

أما اعتماد العبد على الأسباب اعتماداً كلياً مع اعتقاده أنها تنفع من دون الله شرك الأكبر، وإن اعتمد على السبب مع اعتقاده أن الله هو النافع الضار فقد وقع في الشرك الأصغر، فالمؤمن مأمور بفعل السبب مع التوكل على مسبب الأسباب جل وعلا، وإن ترك الأسباب واعتقد أن الشرع أمر بتركها وأنها لا نفع، فإنه يقع في مخالفة لما أمر الله به.

ويقول -رحمه الله-: ولهذا قال طائفة من العلماء: الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسباباً نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع، وإنما التوكل المأمور به ما اجتمع فيه مقتضى التوحيد والعقل والشرع (٤).


(١) ينظر: تفسير الطبري، (٢/ ٤٥٠).
(٢) ينظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل، (٥/ ٥٧٦).
(٣) درء تعارض العقل والنقل، (٩/ ٢٩).
(٤) مجموع الفتاوى (١٠/ ٣٥).

<<  <   >  >>