للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن سعدي -رحمه الله-: يجب على العبد أن يعرف في الأسباب ثلاثة أمور:

أحدها: ألا يجعل منها سبباً إلا ما ثبت أنه سبب شرعاً أو قدراً.

ثانيها: ألا يعتمد العبد عليها، بل يعتمد على مسببها ومقدرها، مع قيامه بالمشروع منها، وحرصه على النافع منها.

ثالثها: إن الأسباب مهما عظمت وقويت فإنها مرتبطة بقضاء الله وقدره لا خروج لها عنه، والله تعالى يتصرف فيها كيف يشاء. (١)

ثانياً: أن الله أخبر في كتابه إنه ينبغي على المسلم المبتلى بمرض معدٍ أو مرض لا يرجى برؤه أن يصبر ويحتسب الأجر عند الله تعالى، ولا ييأس من الشفاء؛ لأن الشفاء بيد الله تعالى وحده، ولابد من التضرع والالتجاء إليه وحده والانكسار بين يديه، فإن الله سبحانه قريب لا يرد سائلاً، وما الطبيب ولا الدواء إلا وسائل لوقوع قضاء الله وقدره، كما أخبر سبحانه عن قصة أيوب عليه السلام مع المرض والبلاء، قال تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (٨٤)} [الأنبياء: ٨٣]، وقال سبحانه في آية أخرى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (٤١) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (٤٢)} [ص: ٤٢] أي: اذكر عبدنا ورسولنا، أيوب - مثنيا معظما له، رافعا لقدره - حين ابتلاه ببلاء شديد فوجده صابرا راضيا عنه، فتوسل إلى الله بالإخبار عن حال نفسه، وأنه بلغ الضر منه كل مبلغ، فاستجاب الله له فركض برجله فخرجت من ركضته عين ماء باردة فاغتسل منها وشرب، فأذهب الله عنه ما به من الأذى ... ، {وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} أي: جعلناه عبرة للعابدين، الذين ينتفعون بالعبر، فإذا رأوا ما أصابه من البلاء، ثم ما أثابه الله بعد زواله، ونظروا السبب، وجدوه الصبر، ولهذا أثنى الله عليه به في قوله: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٤٤)} فجعلوه أسوة وقدوة عندما يصيبهم الضر (٢).


(١) القول السديد شرح كتاب التوحيد، ص (٤٦).
(٢) ينظر: تيسير الكريم الرحمن، ص (٥٢٨).

<<  <   >  >>