للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التوجيه العقدي الصحيح لهذه النازلة كالآتي:

أولاً: إن أي افتراء وتجرؤ على الله بتحميل آياته ما لا تحتمل من دلالاتٍ فاسدة وتفسيراتٍ خاطئة، محرم شرعًا، وقد توعد الله من فعل ذلك بالخسران في الدنيا والعذاب في الآخرة، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (٦٩) مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠)} [يونس: ٧٠]، أي: لا ينالون مطلوبهم، ولا يحصل لهم مقصودهم، وإنما يتمتعون في كفرهم وكذبهم في الدنيا قليلاً، ثم ينتقلون إلى الله ويرجعون إليه، فيذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون (١).

بل إن الله سمى التقول عليه كذبًا، وجَعلَه مِن أعظم الفَواحِش في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٣)} [الأعراف: ٣٣]، وهذا عام في تحريم القول في الدين من غير يقين (٢).

وقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من تفسير القرآن بغير علم أو بمجرد الرأي، فعن ابن عباس - رضي الله عنهما -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من قال في القرآن برأيه، أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار» (٣).

قال الترمذي -رحمه الله-: روي عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم، أنهم شددوا في هذا في أن يفسر القرآن بغير علم، وأما الذي روي عن مجاهد وقتادة وغيرهما من أهل العلم أنهم فسروا القرآن، فليس الظن بهم أنهم قالوا في القرآن أو فسروه بغير علم أو من قبل أنفسهم. وقد روي عنهم ما يدل على ما قلنا، أنهم لم يقولوا من قبل أنفسهم بغير علم (٤).

قال ابن القيم -رحمه الله-: رتب الله المحرمات أربع مراتب، وبدأ بأسهلها وهو الفواحش، ثم ثنى بما هو أشد تحريما منه وهو الإثم والظلم، ثم ثلث بما هو أعظم تحريما منهما وهو الشرك به


(١) ينظر: تفسير القرآن الكريم، ص (٣٦٩).
(٢) ينظر: زاد المسير في علم التفسير، ابن الجوزي، (٢/ ١١٦).
(٣) رواه الترمذي، ح (٢٩٥٠)، (٥/ ١٩٩)، النسائي في الكبرى، ح (٨٠٣١)، (٧/ ٢٨٦)، والبغوي في شرح السنة، (١١٨)، (١/ ٢٥٨)، وقال الترمذي: حديث حسن.
(٤) سنن الترمذي، (٥/ ٢٠٠).

<<  <   >  >>