الحازم لا يأمن عدوه على كل حال: ان كان بعيداً لم يأمن من معرته بالكيد وان كان قريباً لم يأمن مواثبته وان كان منكشفاً لم يأمن استطراده وان كان وحيداً لم يأمن مكره.
ولكل حريق مطفئ: للنار الماء وللسم الدواء وللعشق الوصال وللحزن الصبر زنار الحقد لا تخبو.
وكان يقال: من اقلعت عنه الحمى استراح بدنه وقلبه ومن وضع الحمل الثقيل استراح منكبه ومن أمن عدوه ثلج صدره.
فان العاقل وان كان واثقاً بقوته وقوله وفضله رشدة بطشه لا يحمله ذلك على ان يجني على نفسه عداوة اتكالاً على ما عنده من ذلك كما ان الرجل وان كان عنده الترياق والأدوية لا ينبغي له ان يشرب السم اتكالاً على ما عنده من ذلك.
وانما يستخرج ما عند الرجال ولاتهم وما عند الجنود قادتهم وما في الدين علماؤه.
وكثرة الأعوان إذا لم يكونوا نصحاء مجربين مضرة على العمل فان العمل ليس بذلك رجاؤه بل بصالح الاعوان وذوي الفضل كالرجل الذي يحمل الحجر الثقيل فيثقله ولا يجد له ثمناً والرجل الذي يحمل الياقوت فلا يثقل عليه وهو قادر على بيعه بالكثير من المال.
فان الرجل الذي بحضرة السلطان إذا كان قد اطيلت جفوته عن غير جرم كان منه او كان مبغياً عليه أو كان معروفاً بالحرص والشره أو كان قد اصابه ضر أو ضيق فلم ينعش أو كان قد اجرم جرماً فهو يخاف العقوبة او كان شريراً لا يحب الخير أو كان قد وقف على خيانته أو كان قد حيل بينه وبين ما كان في يده من سلطان أو كان قد وقف على خيانته أو كان قد حيل بينه وبين ما كان في يده من سلطان أو كان يلي عملاً نعزل عنه أو فرق عليه أو انتقص منه أو اشرك بينه وبين غيره فيه أو كان اذنب في نظرائه فعفي عنهم وعوتب وعوقب أو عوقبوا جميعاً فبلغ منه ما لم يبلغ من احد منهم مثله أو كان قد أبلى بلاء نظرائه ففضلوا عليه في المنزلة والجاه أو كان غير موثوق به في الهوى والدين أو كان يرجو في شيء مما يضر الولاة نفعاً أو يخاف في شيء مما ينفعهم ضراً أو كان لعدو السلطان مواداً. كل هؤلاء ليس السلطان حقيقاً بالاسترسال إليهم والطمأنينة إلى ما قبلهم والائتمان لهم.
ان السلطان انما يؤتى من قبل ست: الحرمان والفتنة والهوى والفظاظة والزمان والخرق. فأما الحرمان فيأتي بفقد الاعوان والساسة من أهل الرأي والنجدة والامانة أو يُبعد بض من هو كذلك. واما الفتنة فهي تخرب الناس ووقوع التحارب بينهم. واما الهوى فهو الاغرام بالنساء أو الحديث والشرب والصيد وما اشبه ذلك. واما الفظاظة فالافراط في الشدة حتى يبتلى اللسان بالشتم واليد بالبطش والضرب وأما الزمان فهو ما يصيب الناس من القحط والموت ونقص الثمرات واشباه ذلك. واما الخرق فاعمال الشدة في موضع اللين والرفق في مكان الغلظة.
فانه كان يقال: إذا عرف الملك من الرجل انه قد ساواه في الرأي والمنزلة والهيبة والمال والتبع فليصرعه فانه ان لم يفعل كان هو المصروع.
وخير الاعوان اقلهم مصانعة.
وخير النساء الموافقة لبعلها.
وافضل الاعمال احلاها عاقبة واحسن الثناء ما كان على افواه الأحرار.
واشرف السلطان ما لم يخالطه بطر.
وأيسر الاغنياء من لم يكن للحرص اسيراً.
وامثل الاخلاق أونها على الورع.
مع ان الملوك حزمة لا يعلنون بالعقوبة إلا لمن ظهر ذنبه وما كان من ذلك مكتوماً ستروها منه.
ان السلطان إذا كان صالحاً ووزراؤه غير صالحين قل خيره على الناس وامتنع منهم فلم يجتر عليه احد ولم يدن منه كالماء الصافي الطيب الذي فيه التماسيح فلا يستطيع الرجل دخوله وان كان سابحاً واليه محتاجاً.
كان يقال: انما يصيب الملوك الظفر بالحزم والحزم باصالة الرأي والرأي بتحصين الاسرار.
الظفر بالحزم والحزم باصالة الرأي والرأي بتكرار النظر وبتحصين الاسرار.
وانما يطلع على السر من قبل خمسة: من قبل صاحب الرأي ومن قبل مشاوره ومن قبل الرسل والبرد ومن قبل المستمعين الكلام ومن قبل الناظرين في أثر الرأي ومواقع العمل بالتشبيه والتظني.
من حصن سره فانه من تحصينه اياه في أحد امرين: اما ظفر بما يريد واما سلامة من عيبه وضره ان اخطأه ذلك.
وفي تحصين السر الظفر بالحاجة والسلامة من الخلل.