وإذا كان الملك محصناً لاسراره متخيراً للوزراء مهيباً في انفس العامة بعيداً من ان يعلم ما في نفسه لا يضيع عنده حسن بلاء ولا يسلم منه ذو جرم مقدراً لما يفيد ولما ينفق كان خليقاً الا يسلب صالح ما اعطي.
فمن السر ما يدخل فيه الرهط ومنه ما يدخل فيه الرجلان ومنه ما يستعان فيه بالقوم.
وللأسرار منازل: منها ما يدخل الرهط فيه ومنها ما يستعان فيه بقوم ومنها ما يستغنى فيه بواحد.
وأعلم أن الرسول به وبرأيه وأدبه يعتبر عقل المرسل وكثير من شأنه وعليك باللين والمواتاة فإن الرسول هو يلين القلب إذا رفق ويخشن الصدر إذا خرق (ك١٥٤) .
لا يطمعن ذو الكبر والصلف في الثناء الحسن ولا يطمعن الخب في كثرة الصديق ولا الشيء الأدب في الشرف ولا الشحيح في البر ولا الحريص في قلة الذنوب ولا الملك المتهاون الضعيف الوزراء في بقاء ملكه.
لا يطمعن ذو الكبر في حسن الثناء ولا الخب في كثرة الصديق ولا الشيء الأدب في الشرف ولا الشحيح في المحمدة ولا الحريص في الإخوان ولا المعجب بثبات الملك.
ولا ثناء مع كبر ولا صداقة مع خب ولا شرف مع سوء أدب ولا بر مع شح ... ولا رياسة مع غرارة وعجب.
فإن الملك إذا لم يكن في مملكته قرة عيون رعيته فمثله ذات الضرع الضخم إذا وضعت ولدها لم يكن فيه ما يكفيه.
وأعمال الملك كثيرة ومن يحتاج إليه من العمال والأعوان كثير ومن يجمع منهم الذي ذكرت من النصيحة وأصالة الرأي والعفاف قليل. وإنما السبب في الوجه الذي به يستقيم العمل أن يكون الملك عالماً بمودة من يريد الاستعانة به، وما عند كل رجل منهم من الرأي والغناء وما فيه من العيوب. فإذا استقر ذلك عنده من علمه أو علم غيره وعلم ما يستقيم به وجه لكل عمل من قد عرف أن عنده من الأمانة والنجدة والرأي ما يستقل بذلك العمل، وإن الذي فيه من العيب لا يضر بذلك العمل. ويتحفظ من أن يوجه أحداً في وجه لا يحتاج فيه إلى مروءة إن كانت عنده ولا تؤمن عيوبه وعاقبة ما يكره منه. ثم على الملك بعد ذلك تعاهد عماله والتفقد لأمورهم حتى لا يخفى عليه إحسان محسن ولا إساءة مسيء ثم عليهم بعد ذلك ألا يتركوا محسناً بغير جزاء ولا يقروا مسيئاً ولا عاجزاً على العجز والإساءة. فإنهم إن ضيعوا ذلك وتهاونوا به تهاون المحسن واجترأ المسيء ففسد الأمر وضاع العمل.
لأن تنقل الناس من بعض المنازل إلى بعض فيه صعوبة ومشقة شديدة ثم أن الأشياء في ذلك تجري على منازل حتى تنتهي إلى الخطر الجسيم من مضادة الملك في ملكه.
إن أموراً ثلاثة تزداد بها لطافة ما بين الإخوان واسترسال بعضهم إلى بعض: منها المؤاكلة ومنها الزيارة في الرحل ومنها معرفة الأهل والحشم.
وقرأت في كتاب للهند: ثلاثة أشياء تزيد في الأنس والثقة: الزيارة في الرحل والمؤاكلة ومعرفة الأهل والحشم.
وقد كان يقال: لا يكثرن الرجل على إخوانه حمل المؤنات حتى يؤذيهم ويبرمهم. فإن عجل البقرة إذا أكثر مصه إياها وإفراطه أوشكت أن تضربه وتنفيه.
الأصدقاء صديقان: طائع ومضطر وكلاهما يلتمس المنافع ويحترس من المضار. فأما الطائع منهما فيُسترسل إليه ويوثق به على كل حال. وأما المضطر فإن له حالات يُسترسل فيها وحالات يتقى فيها فلا يزال العاقل يرتهن منه بعض حاجته ببعض ما يتقي وما يخاف.
فإنه من اتخذ صديقاً ثم أضاع ود اخائه حرم ثمرة إخائه وأيس من منفعة الإخوان.
وإن من المعونة على تسلية الهم وسكون النفس عند نزول البلاء لقاء الأخ أخاه وإفضاء كل واحد منهما إلى صاحبه ببثه.
فإن من المعونة على تسلية الهموم وسكون النفس لقاء الأخ أخاه إذا أفضى كل واحد إلى صاحبه ببثه.
من لم يركب الأهوال لم ينل الرغائب. ومن ترك الأمر الذي لعله أن يبلغ منه حاجته مخافة لما لعله يتوقاه ويشفق منه فليس ببالغ جسيماً.
وقد قيل في أمور لا يستطيعها أحد إلا بمعونة من ارتفاع همة وعظيم خطر منها عمل السلطان وتجارة البحر ومناجزة العدو.
وفي كتاب للهند: ثلاثة أشياء لا تنال إلا بارتفاع همة وعظيم خطر: عمل السلطان وتجارة البحر ومناجزة العدو.
لا ينبغي للرجل ذي المروءة أن يرى إلا في مكانين ولا يليق به غيرهما أما مع الملوك مكرماً وأما مع النساك متبتلاً. كالفيل الذي إنما بهاؤه وجماله في مكانين: أما في البرية وحشياً وأما مركباً للملوك.