للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والأَقاويل صنفان: منها قصار، ومنها طوال؛ ومنها التام، ومنها غير التام. والتام منها أَدل، وهو القول الحازم، والأَمر والنهي، وسائر ما يدخل تحتها، ومنها ثوان، وهو الخطب. فالنبرات يستعملها الخطيب في أَحد ثلاثة مواضع: إِما في نهاية الأَلفاظ المفردة والأَقاويل القصار التي تقرب من الأَلفاظ المفردة، وإِما في نهاية الأَقاويل القصار التي هي أَجزاءُ الأَقاويل الطوال، وإِما في أَطراف الأَقاويل التامة بالوجه الثاني أَو في أَنصافها، أَعني في أَجزاءِ الخطبة الكبرى. فالتي يستعمل منها في نهاية الأَقاويل القصار جدا والأَلفاظ المفردة تضارع الكلام الموزون لقرب مساواة الأَلفاظ المفردة والأَقاويل القصار للمقاطع والأَرجل. ولذلك ينبغي للخطيب أَن يتوقى عند استعمال هذه النبرات أَن يصير الكلام موزونا. وذلك أَنها متى وقعت بين المقاطع والأَرجل كان القول موزونا؛ ومتى وقعت بين الأَلفاظ المفردة والأَقاويل القصار كان القول موزونا وزنا خطبيا. وكثيرا ما يعرض في الخطب أَن تقع هذه النبرات أَو السكنات عند الأُمة التي تستعمل السكنات أَكثر ذلك موضع النبرات بين المقاطع والأَرجل من غير أَن يقصدوا ذلك، فيكون القول موزونا وهم لا يشعرون. وإِنما يصح للخطيب هذا النوع من الوزن إِذا اختار من الأَلفاظ المفردة أَو الأَقاويل القصار ما يقرب أَن يكون مساويا للمقاطع والأَرجل. والذي يستعمل منها في أَجزاء الأَقاويل القصار التي هي أَجزاءُ الأَقاويل الطوال إِنما يستعمل ليدل على انفصال قول من قول. وهذا إِنما يستعمل في الأَقاويل التامة بالتمام الأَول فيما أَحسب وهي ضرورية في جودة التفهيم. وهذا الصنف من النبرات هو قليل، إِذ كان إِنما يقع في نهايات الأَقاويل القائمة بأَنفسها. وهذه فيما أَحسب هي التي تسمى عند العرب مواضع الوقف. فإِن العرب إِنما تستعمل أَكثر ذلك عوض النبرات وقفات. والصنف الثالث يستعمل في ابتداء الأقاويل وفي ختمها وفي توسطها لموضع الراحة. وهذه النبرات التي تستعمل في هذه المواضع الثلاثة عند الأُمة التي تستعملها منها ما يبتدئ فيها بمقاطع ممدودة وتنتهي بمقاطع مقصورة، ومنها ما يبتدئ بمقصورة وتنتهي بممدودة، ومنها ما تكون كلها ممدودة. والتي تكون من مقاطع ممدودة تشاكل الوسط لموضع الراحة. وينبغي أَن تعلم أَن الوقفات إِذا أُقيمت مقام النغمات صار القول باردا، وأَن عادة العرب في النغم قليلة. والنغم إِنما تحدث إِما مع المقاطع الممدودة أَو مع الحروف التي تمتد مع النغم وتتبعها كالميم والنون. وأَما المقاطع المقصورة فقد تمد عند الحاجة إِلى استعمال النبرات فيها، إِلا أَن العرب يستعملون النبرات بالنغم عند المقاطع الممدودة، كانت في أَوساط الأَقاويل أَو في أَواخرها. وأَما المقاطع المقصورة فلا يستعملون فيها النبرات والنغم إِذا كانت في أَوساط الأَقاويل. وأَما إِذا كانت في أَواخر الأَقاويل فإِنهم يجعلون المقطع المقصور ممدودا. وإِن كان فتحة أَردفوها بأَلف، وإِن كان ضمة أَردفوها بواو، وإِن كان كسرة أَردفوها بياء. وذلك موجود في نهايات الأَبيات التي تسمى عندهم القوافي. وقد يمدون المقاطع المقصورة في أَوساط الأَقاويل إِذا كان بعض الفصول الكبار ينتهي إِلى مقاطع مقصورة في أَقاويل جعلت فصولها الكبار تنتهي إِلى مقاطع ممدودة، مثل قوله تعالى " ويظنون بالله الظنونا ". وبالجملة إِنما يمدون المقطع المقصور عند الوقف قال: وينبغي أَن يكون بين النبرات والنغم التي يستفتح بها القول وبين التي يختم بها تضاد، مثل ما حكاه أَرسطو أَن الأَقاويل التي كان يستفتح بها عندهم كان يبتدأُ فيها بحرف طويل أَو مقطع ممدود، وينتهي بثلاثة مقاطع قصار، والتي يختم بها ضد ذلك، أَعني أَنها يبتدأُ فيها بثلاثة مقصورة وينتهي بمقطع ممدود أَو حرف ممدود: لأَنه إِذا انتهى بمقطع مقصور جعل الكلام مبتورا.

وليس ينبغي أَن يعتمد في نهاية الكلام المكتوب - إِذا تلي - على الفصول التي في الخط، بل إِنما ينبغي أَن يعتمد على النبرات الفاضلة، وينطق بها حتى يتبين نهايات القول.

فهذا هو القول في النبرات وبأَي حال يستعمل في نوع نوع من أَنواع الكلام نوعٌ نوعٌ منها.

<<  <   >  >>