فمنها أن ما كان نافعا في كل الأَشياءِ، فهو أنفع مما هو نافع في بعض الأَشياءِ. والذي هو أدوم نفعا، هو أنفع من الذي أقصر نفعا. والذي هو أكبر، هو أنفع من الأَصغر. والذي هو أكثر، هو أنفع من الأَقل. والذي جمع من صفات الخير أكثر، أو جمع صفاته كلها، فهو أنفع. وصفات الخير التام هو أن يكون الشيء مختارا من أجل نفسه، لا من أجل غيره، وأن يكون متشوقا عند الكل، وأن يكون ذوو الفضل واللب يختارونه. والذي جمع هذه الصفات كلها أو أكثرها فهو الخير والنافع الذي في الغاية وهو الغاية لسائر الأَشياء التي توصف بالخير. والأَشياءُ المتصفة بالخير المتعلقة بهذا الخير الذي جمع هذه الصفات إِنما يقال فيها إِنها أنفع إِذا وجد في واحد منها صفة واحدة من هذه الصفات أو أكثر من صفة واحدة. وكل ما كان من هذه الأَشياء توجد فيه صفات أكثر من صفات الخير فهو أنفع، ما لم تكن الصفة الواحدة أنفع من اثنتين أو من ثلاث. وأيضا فما كان العظيم فيه أفضل من العظيم في جنس آخر، فالجنس الذي فيه العظيم الأَفضل هو أفضل من الجنس الآخر. وما كان الجنس منه أفضل من الجنس الأَفضل، فالعظيم من الجنس الأَفضل أفضل من العظيم من الجنس الآخر. وهذا عكس الأَول. ومثال ذلك أنه إِن كان الذكران أفضل من الإِناث، فالرجل أفضل من المرأة، وإِن كان الرجل أفضل من المرأة، فالذكران أفضل من الإِناث. وإِنما كان ذلك كذلك لأَن نسبة العظيم إِلى جنسه هي كنسبة العظيم الآخر إِلى جنسه. فتكون نسبة الجنس إِلى الجنس هي نسبة العظيم إِلى العظيم.
ثم إِذا كان الشيءُ لازما لشيء ما، والآخر غير لازم له، فإِن الذي يلزم عنه الشيء آثر من الذي لا يلزم عنه الشيء. مثال ذلك السلطان والثروة. فإِن الثروة تلزم السلطان، وليس يلزم السلطان الثروة؛ فلذلك السلطان أفضل من الثروة. وكذلك الحال في المضار. فإِن الفقر يلزم عنه البخل، وليس يلزم عن البخل الفقر؛ فالفقر أكثر شرا من البخل.
واللازم يوجد على ثلاثة أقسام: إِما أن يوجد معا، أعني اللازم والملزوم، مثل وجود الأبيض والبياض معا، ومثل لزوم الإِنسان والحيوان. وإِما أن يوجد اللازم تابعا بأخرة مثل لزوم العلم عن التعلم. وإِما أن يكون تلازمهما في القوة، أي يكون أحدهما يفعل فعل الآخر ولا ينعكس، أعني ألا يفعل الآخر فعل الأَول، مثال ذلك الفقر والبخل. فإِن الفقر يلزم عنه أن يفعل الإِنسان فعل البخل، وليس يلزم عن البخل فعل الفقر. فإِن الفقر يعوق عن أشياءِ أكثر من عدم استعمال المال الذي هو البخل.
وأيضا الذي يفعل الخير الأَنفع هو أنفع من النافع. مثال ذلك الجِلْد والجمال. فإِن كليهما نافع وخير. والجلد يفعل به خير أعظم مما يفعل بالجمال، فهو أعظم نفعا. كذلك الصحة أيضا أعظم نفعا من اللذة، لأَن الصحة يفعل بها خيرات أكثر مما يفعل باللذات. وأيضا فإِن الذي يختار مفردا أفضل نفعا من الذي لا يختار إِلا مع ذلك المختار مفردا. ومثال ذلك أن الجمال لا يختار إِلا مع الصحة، والصحة تختار دون الجمال؛ فالصحة أفضل نفعا من الجمال. وأيضا إِذا كان شيئان أحدهما كمال، والآخر طريق إِلى الكمال فالذي هو كمال أفضل، مثل الصحة واللذة. فإِن الصحة كمال، واللذة كون، والكون طريق إِلى الكمال. وإِذا كان شيئان أحدهما يختار لذاته، والآخر يختار من أجل غيره، فالذي يختار من من أجل نفسه أفضل من الذي يختار من أجل غيره، مثال ذلك الحكمة واليسار. فإِن الحكمة تختار لذاتها، واليسار يختار لغيره. وأيضا فإِن الذي يجعل المرء إِذا اقتناه أقل حاجة إِلى أصدقائه أو إِلى الإِنسان فهو أفضل من الذي يجعله أكثر حاجة. فإِن من هو أكثر كفاية واستغناء عن الناس هو الذي يحتاج إِلى أشياء قليلة العدد سهل وجودها. وأيضا إِذا كان شيئان أحدهما يحوج اقتناؤه إِلى الثاني، والثاني لا يحوج اقتناؤه إِلى الآخر، فإِن الذي لا يحوج اقتناؤه إِلى الآخر هو آثر، مثال ذلك اليسار والبنون. فإِن البنين يحوجون إِلى اقتناءِ المال، واليسار ليس يحوج إِلى اقتناءِ البنين؛ فاليسار أفضل نفعا.