وإِذ قد تقرر هذا من أَمر الرأي، فأَنواع الرأي أَربعة: القسم الأَول: الرأي الذي رفع عنه القياس من حيث هو نتيجة برهان ومبدأ برهان: وذلك إِنما يكون إِذا كان القياس عليه قريب الظهور بنفسه يلوح للسامع عندما ينطق ذو الرأي بالرأي ولا يكون شنيعا عند السامع ولا مشكوكا فيه. وذلك أَنه متى لم يكن بهذه الصورة لم يكن الرأي مقنعا. وهذا القسم ينقسم قسمين: إِما رأي يلوح قياسه عندما ينطق به للجميع أَو للأَكثر، وإِما رأي يلوح قياسه للعقلاءِ والأَلباءِ.
والقسم الثاني: من الآراءِ هو الذي يحتاج أَن يردف بالقياس ويشد بالقول، وذلك إِذا كان الرأي شنيعا أَو مشكوكا فيه خفيا غير ظاهر. وهذا أَيضا ينقسم قسمين: أَحدهما: أَن يردف بالقياس الذي ينتجه، وذلك إذا كان القياس بينا بنفسه، وكانت النتيجة غير بينة.
والثاني: أَن يردف بالقياس الذي يكون الرأي جزءَا منه، وذلك بأَن يذكر الرأي والنتيجة عنه، وذلك إِذا كان الضمير المنتج بينا بنفسه، وكانت النتيجة غير بينة. فمثال الرأي الذي يرفع عنه القياس ولا يكون جزء قياس ولا مردفا بقياس مما هو مقبول عند الجميع ظاهر الحجة قول القائل: إِن خير الأَشياء فيما أَحسب وفيما أَرى أَن يكون المرءُ صحيح البدن. ومثال ما هو مقبول عند العقلاءِ وظاهر الحجة عندهم قول القائل: إِنه يظهر لي أَنه ليس محبا مَنْ لم يحب دائما. ومثال الرأي الذي يستعمل جزء ضمير قول القائل: إِنه لا ينبغي أَن يقبل قول من كان بصفةٍ ما فيما يهم به ويراه. ومثال الرأي الذي يشد بالضمير المنتج له قول القائل: إِن الرأي عندي للإِنسان أَلا يجعل غضبه غير ميت إِذ كان هو ميتا.
فقد استبان مما قيل كم أَنواع الرأي وفي أَي موضع يستعمل نوع نوع منها ومع مَن يستعمل. وذلك أَن الرأي الذي لا يحتاج إِلى ضمير: منه ما يستعمل مع الجمهور، ومنه ما يستعمل مع الخواص، كما قلنا. والذي يحتاج إِلى ضمير منه ما يحتاج عند السامع إِذا أُريد أَن يكون مقنعا إِلى ضمير منتج، ومنه ما يحتاج فيه إِلى التصريح بالنتيجة التي تلزم عنه. والآراءُ إِذا كانت شنيعة مستغربة فينبغي أَن يقدم قبلها كلام يزيل شُنعتها، مثل قول القائل: أَما أَنا فإِني - لكي لا أُحسد أَو أُدعى بطالا، أَرى أَنه لا ينبغي أَن أَتأَدب. وأَما إِذا كانت الآراءُ خفية، فينبغي أَن يقدم قبلها ما يوضحها ويبينها، والآراءُ يلحقها أَن تكون رموزا وأَشياء مستغربة، وذلك مثل ما حكاه أَرسطو من المثل الجاري عندهم أَنه لا ينبغي أَن يكونوا شتامين لأَن لا تكثر الخطاطيف في الأَرض، فإِنه استعمل الخطاطيف مكان الناس الذين يتكلمون ويقعون في الناس، واستعمل الأَرض مكان الصامتين، فكأَنه قال: إِنه لا ينبغي لنا أَن نشتم الناس لأَن لا يتبدل الساكتون عنا من الناس فيصيرون شتامين يطيرون حولنا ويصيحون كما تفعل الخطاطيف.